انكماش الطبقة الوسطى

22/06/2023 0
د.عبد الوهاب بن سعيد القحطاني

تشكل الطبقة الوسطى في أي مجتمع قوة اقتصادية، فهي الطبقة العاملة والمنتجة والكادحة والمستهلكة. تعد الطبقة الوسطى صمام الأمان والقوة لأي دولة، ومصدر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمعات. الطبقة الوسطى دعم للاقتصاد ومحركه الأساسي. أشارت العديد من الدراسات إلى أن الطبقة الوسطى تشكل حوالي 11 في المائة من إجمالي عدد سكان العالم. تزداد نسبة الطبقة الوسطى في الدول الصناعية المتقدمة، لتصل إلى حوالي 90 في المائة من إجمالي عدد السكان، كما هو الحال في الدانمارك واليابان والسويد وفنلندا. وتجدر الإشارة إلى أن تكلفة المعيشة والدخل في كل دولة تحدد الطبقات الاجتماعية فيها، فقد يكون مواطن في دولة ما في الطبقة الوسطى، بينما يعد مواطن آخر في دولة أخرى بنفس تكلفة المعيشة والدخل فقيراً.

لقد ساهمت عدة عوامل في انكماش الطبقة الوسطى في المملكة، حيث كان انهيار سوق الأسهم السعودية في 2006م من أكثرها تأثيراً، فقد التهم مدخرات عدد كبير من المواطنين، ناهيك عن أن بعض المواطنين المقترضين غمرتهم الديون، بسبب التسهيلات البنكية غير المنضبطة، وعدم وعي المقترضين وسوء التسهيلات من جهة أخرى. لقد دخل الاقتصاد في معدل بطالة عالية بسبب ضيق الفرص الوظيفية خلال الأزمة الاقتصادية العالمية. كما أسهمت المساهمات العقارية المتعثرة في المشكلة، ناهيك عن المساهمات الوهمية التي ذهبت بمدخرات عدد كبير من المواطنين. أسهمت بعض السياسة التي تتبعها بعض البنوك في إقراض المواطنين لشراء العقارات السكنية في المشكلة، حيث تبدو سهلة وميسورة التسديد، لكنها تشكل 50 في المائة من تكلفة تملك المنزل، بينما أصبحت تكلف أكثر من 40 في المائة من دخل المواطن، هذا بالإضافة إلى محدودية المنتفعين من هذه السياسة الإقراضية.

عدم التزام بعض شركات القطاع الخاص بتوظيف المواطنين برواتب تناسب مستوى المعيشة في المملكة، بل يفضل كثير منها استقطاب العمالة الأجنبية، التي بلغ إجمالي تحويلاتها المالية السنوية إلى خارج المملكة أكثر من 150 مليار ريال، حسب إحصائيات 2022م، ما جعل المملكة في المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية، من حيث تدفقات التحويلات الخارجية. تزايد انخفاض قيمة الدولار وثبات صرف الريال مقابل الدولار، ما ساهم في معدل التضخم في غلاء المعيشة، وبالتالي انعكس على أسعار السلع والمنتجات المستوردة، ناهيك عن انعكاسات حرب العملات بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008-2009م.

تكمن حلول انكماش الطبقة الوسطى في تحسين الرواتب في القطاعين الحكومي والخاص، وتعويض المتضررين من المواطنين جراء انهيار سوق الأسهم، وذلك على دفعات ميسرة. عمل اللوائح والضوابط المناسبة التي تشجع شركات القطاع الخاص على توظيف المواطنين برواتب تناسب تكاليف المعيشة في المملكة. الرقابة الصارمة والجادة على الأسعار في سوق السلع والخدمات، حتى لا ترتفع الأسعار من غير مبررات، وذلك من خلال حماية المستهلك بوزارة التجارة والاستثمار.

إعادة هيكلة الهيئة العامة للاستثمار للمحافظة، على ما بقي من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يملكها ويديرها ويشغلها المواطنون الذين ينتمون للطبقة المتوسطة. تسهيل إقراض المواطنين المنتمين للطبقة المتوسطة لتمويل مؤسساتهم التي تخلق وظائف لهم ولغيرهم. وضع الحلول المناسبة للمساهمات العقارية المتعثرة لتعود أموال المواطنين لهم فقد استحوذت على نسبة عالية من مدخراتهم. الجدير بالإشادة أن هيئة السوق المالية قامت بإعادة الهيكلة بما يضمن أداءه بشفافية، لينمو وتعود بعض أموال المواطنين المتضررين لهم. الاعتماد على سلة العملات بدلاً من الاعتماد فقط على الدولار الأمريكي، وذلك لخفض معدل التضخم المالي.

 

 

نقلا عن اليوم