التطورات الإيجابية المرتقبة للقطاع العقاري

30/05/2023 1
عبد الحميد العمري

نشرت أخيرا تقارير عقارية من مؤسسات استشارية، كان آخرها تقرير لشركة الاستشارات العقارية العالمية "نايت فرانك"، التي أوضحت فيه انخفاض حجم معاملات البيع والشراء في قطاع العقارات السكنية بنسبة 57 في المائة في مدينة الرياض، وانخفاضها أيضا في مدينة جدة بنسبة 67 في المائة على أساس سنوي. وأشار التقرير إلى أن أحد العوامل الرئيسة التي وقفت وراء انحسار رغبة المستهلكين في شراء المساكن، يعود بالدرجة الأولى إلى الارتفاع القياسي الذي شهدته أسعار العقارات، حيث ارتفعت أسعار الفلل السكنية في مدينة الرياض 40 في المائة، وقفزت أسعار الشقق السكنية 50 في المائة خلال العام الماضي، واستطرد التقرير إلى أن شريحة واسعة من المستهلكين أتمت خطوات تملكهم مسكنهم فعليا، ولهذا توقع أن معدل ملكية المنازل قد ارتفع إلى 67 في المائة على أرض الواقع، مقتربا بدرجة كبيرة من النسبة المستهدف تحقيقها بحلول 2030 البالغة 70 في المائة، وهو ما يعني بدوره تراجع قوة الطلب على تملك العقارات مقارنة بالأعوام الماضية، الذي أصبح يقابله ارتفاع مطرد في أعداد المنتجات العقارية السكنية المعروضة للبيع، نظير دخول شركات تطوير عقاري عملاقة في السوق، إضافة إلى جهود الدولة -أيدها الله- على طريق زيادة المعروض من الأراضي المطورة والمنتجات السكنية ذات الجودة العالمية، بأسعار تنافسية تلائم القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في المدن الرئيسة، الرياض وجدة والدمام.

يضاف إلى ما سبق دخول عديد من العوامل الرئيسة الأخرى، التي أسهمت في تراجع نشاط قطاع العقارات السكنية بتلك النسب الكبيرة، من أبرزها الارتفاع المطرد الذي شهدته معدلات الفائدة "تكلفة الرهن العقاري" بنحو 500 نقطة أساس خلال عام مضى، ليضيف مع ارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات التملك مزيدا من الضغوط على السوق العقارية المحلية عموما، وعلى القطاع السكني خصوصا، كما أوضحه التقرير الأخير لشركة نايت فرانك، وإشارته إلى هذا العامل ضمن التغيرات الكبيرة التي طرأت على ديناميكيات السوق خلال الفترة الماضية القصيرة، وتضاف إليها الاختلافات الكبيرة التي طرأت على برنامج الدعم السكني، بانخفاض حجمه بين 70 و80 في المائة عما كان عليه سابقا، وهي العوامل التي أسهمت مجتمعة في تراجع مستويات الإقراض العقاري بنسب قياسية وصلت إلى 52 في المائة حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري.

مع اقتراب السوق العقارية من إكمالها لعام كامل من الركود بنهاية الشهر المقبل، ودخولها للعام الثاني المتوقع اكتظاظه بالقدر الأكبر من التحديات التي شهدتها السوق، المتمثلة في: "أولا"، ارتفاع الفائدة "تكلفة الرهن العقاري"، وتوقعات استمرار استقرارها عند أعلى مستويات لها خلال أكثر من عقدين من الزمن، وبقائها عند تلك المستويات حتى نهاية 2024 ما لم تشهد مزيدا من الارتفاعات قياسا على توقعات صعوبة تحقق هدف الاحتياطي الفيدرالي بخفض معدل التضخم حتى ما قبل نهاية العام المقبل، وتصاعد توقعات عودته إلى الارتفاع مجددا خلال النصف الثاني من العام الجاري مدفوعا بارتفاع أسعار المواد الغذائية في أغلب المناطق حول العالم. "ثانيا"، تقلص الدعم السكني بنسب راوحت بين 70 و80 في المائة، وهو الاختلاف الكبير عما كانت عليه الأوضاع طوال الفترة 2019 ـ 2022. "ثالثا"، استمرار التراجع بمعدلات أكبر على مستوى الطلب من المستهلكين، نظير ارتفاع معدلات تملك المساكن واقترابها بدرجة كبيرة من المعدل المستهدف تحقيقه بعد سبعة أعوام، الذي سيقابله ارتفاع مطرد في حجم المعروض من الأراضي المطورة، بدأته الدولة -أيدها الله- بضخها نحو 100 مليون متر مربع مطلع العام الجاري، إضافة إلى ضخ عشرات الآلاف من الوحدات السكنية المتنوعة، ودخول عديد من شركات التطوير العقاري العملاقة في السوق، ما سيؤدي إلى ارتفاع درجات المنافسة وجودة المنتجات العقارية، المقترنة بأسعار تنافسية سيكون المستفيد الأكبر منها المستهلكين. "رابعا" انحسار ظواهر اكتناز الأراضي والمضاربات عليها، نتيجة زيادة كفاءة نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، والإسراع في الانتقال بين مراحله التنفيذية في عديد من المدن الرئيسة التي عانت كثيرا آثار تلك الظواهر السلبية طوال عقود ماضية، وهو الأمر الإيجابي الذي سيؤدي تحققه إلى تحرير مزيد من الأراضي في تلك المدن، ودفعها نحو الانتفاع والاستخدام بما يلبي احتياجات ومتطلبات الاقتصاد الوطني والحراك التنموي العملاق الذي تشهده بلادنا بحمد الله، كما سيكون من آثاره الحد بصورة ملموسة من عمليات المضاربة على الأراضي، التي طالما تسببت في رفع الأسعار بصور غير مبررة طوال الأعوام الماضية.

يتوقع -بمشيئة الله تعالى- أن تشهد السوق العقارية عموما، والقطاع السكني خصوصا، خلال الفترة المقبلة، مزيدا من التطورات الإيجابية التي تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني وقطاع الأعمال والمجتمع على حد سواء، تتراجع خلالها أجزاء كبيرة من تشوهات السوق نتيجة ارتفاع وتيرة الإصلاحات والتطوير والتنظيم، وتنحسر أيضا خلالها أجزاء كبيرة من التضخم غير المبرر في الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية، الذي سينعكس أثره الإيجابي بالدرجة الأولى على كل من القطاع الخاص والمستهلكين، ويقلص من التكاليف المرتفعة على كاهلهما، بصورة ستؤدي إلى زيادة قدرة القطاع الخاص على التوسع والنمو والتوظيف، وستؤدي أيضا إلى زيادة خيارات المستهلكين وتحسين جودة الحياة بالنسبة إليهم، كما ستؤدي تلك التطورات الإيجابية إلى تقليص درجات المخاطرة على الاقتصاد الوطني، والقطاع التمويلي تحديدا، وهي بالتأكيد النتائج الإيجابية التي سيكون لها الأثر المحمود في جميع نشاطات الاقتصاد عموما، وفي القطاع العقاري المحلي في الأجلين المتوسط والطويل، التي سيسهم تحققها -بمشيئة الله تعالى- في الإسراع بوتيرة تنفيذ مبادرات وبرامج رؤية المملكة 2030.

 

 

نقلا عن الاقتصادية