إدارة ضغوط العمل

20/05/2023 0
د.عبد الوهاب بن سعيد القحطاني

تواصل المؤسّس والرئيس التنفيذي لشركة أبل للحاسوبات ستيف جوبز مع موظفيه برسالة إلكترونية مؤثرة قبل وفاته بشهور قليلة، وذلك ليخبرهم أنه سيغادر الشركة في إجازة مرضية تمتد عدة شهور؛ لأن صحته في وضع معقّد وسيئ أكثر مما تصوره، ستيف جوبز وغيره كثيرون يعانون من أمراض مزمنة، ربما تكون قاتلة إذا تجاوز تأثيرها المدى الذي يعطي الموظف الفرصة للعلاج والشفاء منها. رسالة مؤثرة في الموظفين الذين يرون في قيادته الرؤية والتحفيز الإيجابي. وإذا أردنا أن نعرف السبب الذي أدى إلى مرض ستيف جوبز بالسرطان لعلمنا أنها ضغوط العمل التي تُعد أحد العوامل المؤثرة سلبًا في صحة الموظفين في الكثير من الشركات وعلى مستويات وظيفية عديدة من أعلى الهرم إلى أسفله.

كثرة المهام وضغوط العمل والمنافسة والظروف الاقتصادية تؤثر على إدارات الشركات وموظفيها؛ ما قد يؤدي إلى ضغوط نفسية وجسدية تؤدي إلى تدهور صحتهم، وبالتالي يصابون بأمراض القلب والكلى والشرايين وأمراض أخرى نتيجة الضغوط. وهناك أمراض أخرى ذات علاقة قوية بضغوط العمل مثل ارتفاع ضغط الدم الذي يؤدي إلى أمراض القلب والفشل الكلوي وتدهور الجهاز العصبي. ولا نتجاهل تأثير ضغوط العمل في إصابة الموظفين بمرض السكري الذي يؤدي إلى مضاعفات أخرى تؤدي إلى الموت إن لم يدرك الموظف طرق التعامل معه حتى لا يؤثر على أعضاء جسدية أخرى مثل الكلى والعيون والأوردة والشرايين التي يعتمد عليها القلب لتدفق الدم منه وإليه.

ضغوط العمل تكلف الشركات مليارات الريالات في الدول الصناعية؛ لما يترتب عليها من تدني الإنتاجية بسبب مرض الموظف وتغيّبه عن العمل. إذا مرض الموظفون يزورون الأطباء؛ ما يكلف شركاتهم التي يعملون بها وشركات التأمين مبالغ مالية كبيرة. وقد ينصحهم الأطباء براحة كافية للبعد عن ضغوط العمل لبعض الوقت. وربما لا يزورون الأطباء ويتعاملون مع الضغوط بطرقهم الخاصة، لكنهم يتأثرون جراء ذلك، وبالتالي تتراجع كفاءتهم الإنتاجية. تتأثر الشركات سلبًا من تدني الإنتاجية جراء مرض الموظف؛ بسبب ضغوط العمل، لذلك قام بعضها بإنشاء عيادات داخلية فيها للتعامل مع ضغوط العمل حتى لا تتفاقم صحتهم وتؤثر في الإنتاجية. فقدان موظف منتج لحياته جراء ضغوط العمل مكلف للشركة، خاصة إذا مات وهو على رأس العمل.

ضغوط العمل تكلفة اقتصادية ومشكلة اجتماعية للأسر التي تفقد من يوفر لها أسباب العيش. وكلما كانت الشركات على وعي عال بخطورة ضغوط العمل عليها وعلى الموظفين، استطاعت إدارتها بطريقة إيجابية تقلل من تأثير ضغوط الوظيفة على الموظفين وأسرهم. تقوم بعض الشركات اليابانية ببرامج ترويحية ذهنية وجسدية تخفف ضغوط العمل على موظفيها مثل البرامج الرياضية أثناء العمل، حيث تخصص لها قاعات مجهزة بأحدث الأجهزة التي يستخدمها الموظفون خلال فترات الاستراحة عن العمل. وقد جهّزت شركة يابانية موظفيها بغرفة «تأمل» يقضون فيها فترة الراحة واستنشاق الأوكسجين النقي؛ ليعودوا إلى العمل بنشاط عال وحيوية.

نسبة كبيرة قد تصل إلى 98 في المائة من الشركات العربية لا توفر عيادات بسيطة للتعامل مع ضغوط العمل وما ينتج عنها من تأثير نفسي وجسدي سلبي. وهنا أرى أهمية قصوى لتوفير عيادات نفسية في الشركات السعودية لتساهم في حلول المشاكل الوظيفية التي تخلق ضغوط العمل. ضغوط العمل تتزايد خلال الظروف الاقتصادية الصعبة مثل التي يواجهها العالم اليوم، لذلك أتوقع تزايد الحاجة للمتخصصين في علم النفس الصناعي. وعلى الموظفين زيارة الأطباء النفسيين لعلاج ضغوط العمل وعدم الشعور بالعيب، فصحتهم وحياتهم على المحك.

 

نقلا عن اليوم