تداعيات النزاع في السودان على الاقتصاد

16/05/2023 0
د. ثامر محمود العاني

إن اندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، واتساع رقعته، سيكبدان الاقتصاد السوداني وخزينة الدولة خسائر كبيرة، تجهز على سعر الصرف، وتزيد من متوسط معدلات التضخم التي بلغت نسبتها 600 في المائة، ويفقدانه أكثر من 50 في المائة من الصادرات، إذ يقدر حجم الناتج المحلي الإجمالي للسودان 52.7 مليار دولار عام 2021، مقارنة مع السعودية أكبر اقتصاد عربي حيث بلغ 833.5 مليار دولار، ودولة الجوار العربي المهمة مصر حيث بلغ 402.8 مليار دولار، وفقا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد 2022، كما بلغت مساهمة قطاع الزراعة والصيد والغابات في توليد الناتج المحلي الإجمالي السوداني 9.77 في المائة، والصناعات الاستخراجية 7.02 في المائة، والصناعات التحويلية 9.3 في المائة، والتشييد 3.6 في المائة، والكهرباء والغاز والماء 0.6 في المائة، ويلاحظ ضعف مساهمة القطاعات السلعية المهمة في توليد الناتج المحلي الإجمالي للسودان، وبالنسبة إلى المؤشرات الأخرى، فإن السودان يعاني كثيراً من ارتفاع معدل الفقر الذي يتجاوز نسبة 46.5 في المائة، وارتفاع معدل البطالة الذي يتجاوز نسبة 36.3 في المائة، إذ بلغ عدد العاطلين في سوق العمل 10.3 مليون عاطل (التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2022)... فضلاً عن مؤشرات أخرى ذات صلة، وعلى صعيد حجم خسائر الحركة التجارية، مقارنة بالعام الماضي 2022، فسيبلغ 15 مليار دولار؛ على أساس 11 مليار دولار للواردات، وما يزيد على 4 مليارات دولار حجم الصادرات.

وفيما يتعلق بصادرات الذهب، التي تشكل 50 في المائة من مجمل الصادرات السودانية، فإنها ستتأثر لأن صادراته تحدث عبر الطيران الذي بدا متوقفاً، غير أن الصادرات الأخرى التي تجري عبر ميناء بورتسودان ربما لا تواجه إشكالات حتى الآن، بحكم أن النزاع يدور حالياً في رقعة جغرافية ضيقة، وهي منطقة الخرطوم وسط وجنوب العاصمة في مواقع القصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش، ومطار الخرطوم الدولي، وكان من المتوقع أن يكون الذهب أحد أهم الموارد البديلة بعد خروج 75 في المائة من موارد النفط بعد انفصال جنوب السودان عن السودان الأم، لكن الدولة فشلت في الاستفادة من تصدير الذهب؛ وذلك لأن أكثر من 89 في المائة يجري تصديره خارج القنوات الرسمية. وشكّل الذهب السلعة الأكثر أهمية في هيكل الصادرات السلعية السودانية بقيمة 2.06 مليار دولار، وفي ظل الصراع المسلح، سيكون الذهب هو العنصر الذي سيتأثر بشكل كبير سلبيا.

وفي ضوء اجتماعات المجلسين التنفيذيين للمؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي (IDA) وصندوق النقد الدولي، فإن السودان اتخذ الخطوات اللازمة لكي يبدأ الحصول على تخفيف أعباء الديون من خلال المبادرة المعززة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك)، ومن شأن تخفيف أعباء الديون أن يدعم جهود السودان في تنفيذ الإصلاحات اللازمة لرفع مستويات المعيشة لشعبه عن طريق السماح بتحرير الموارد بغية التصدي للفقر وتحسين الأوضاع الاجتماعية. وعقب مناقشات المجلس التنفيذي للبنك الدولي في 28 يونيو (حزيران) 2021، التي تمثل لحظة فارقة مهمة للسودان تسمح له بتخفيض أعباء ديونه بدرجة كبيرة، سجل السودان أعلى نسبة انخفاض في إجمالي رصيد الدين الخارجي بلغت حوالي 52.3 في المائة، ليصل إلى حوالي 28 مليار دولار عام 2021، مقارنة مع 58.8 مليار دولار عام 2020 (التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2022).

ويشار إلى أن بيانات البنك المركزي السوداني لعام 2021 تبين أن قيمة التجارة الخارجية بلغت 13.6 مليار دولار، منها 4.2 مليار دولار للصادرات السلعية، بينما الواردات السلعية بلغت 9.4 مليار دولار، وبذلك يصل العجز في الميزان التجاري للسودان في عام 2021 إلى ما قيمته 5.13 مليار دولار. ورغم أن السودان بلد زراعي، ويتوفر له العديد من مقومات الاكتفاء الذاتي من الغذاء، بل وتصدير السلع الزراعية والغذائية؛ فإن برنامج الأغذية العالمي أعلن أن جميع الولايات تعاني من انعدام الأمن الغذائي، ولسنوات طويلة ظل السودان واحدا من أكثر 10 دول في العالم فسادا، ولكن مؤخرا خرج من هذا التصنيف، ليس بسبب جهوده في مكافحة الفساد، ولكن بسبب ممارسات الفساد بمعدلات أعلى في دول أخرى، ودخول دول جديدة لم تكن في هذا التصنيف. ووفق بيانات مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، أتى السودان في الترتيب 162 من بين 180 دولة شملها المؤشر، وحصل على 22 درجة من درجات المؤشر الـ100. وفي ظل استمرار النزاع المسلح، سوف يزداد الفساد ضراوة.

وفي الختام، نكتفي بالإشارة إلى المجالين الاقتصادي والاجتماعي، فبديل النزاع المسلح هو الإنفاق على مشروعات التنمية، ومواجهة الفقر والبطالة اللذين يعاني منهما السودان منذ عقود.

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط