تتأثر النظرة الإستراتيجية للكثير من متخذي القرارات في الشركات العائلية السعودية تجاه تحويلها إلى شركات مساهمة بعدة عوامل مثل أهداف ملاكها ونمط تفكيرهم، ناهيك عن التغيّرات البيئية المحلية والعالمية، بدأت بعض الشركات العائلية في المملكة تدرك أهمية التأقلم مع الظروف البيئية القريبة والبعيدة التي تتطلب نمطًا قياديًّا أكثر فاعلية من حيث الأداء في شؤونها الإدارية والمالية والمعلوماتية والتسويقية والإنتاجية، وكل ما يزيد من قوتها التنافسية في بيئة تتميز بتعدد التحديات، ويجدر بنا معرفة الدوافع وراء رغبة بعض الشركات العائلية السعودية في التحوُّل إلى شركات مساهمة تطرح أسهمها للتداول في سوق الأسهم السعودية التي تنشط بشكل كبير في السنوات الخمس الأخيرة.
بدأ الملاك وصنّاع القرار يدركون ضرورة التحوُّل إلى شركات مساهمة من خلال طرح شركاتهم في السوق للاكتتاب، وذلك للحصول على رأس المال الذي يساعد الشركات على التوسع والتطوير وتوزيع المخاطرة في رأس المال على المساهمين الجدد. فالمخاطرة تزيد بشكل ملموس مع قدوم الشركات العالمية العملاقة إلى السوق المحلية، انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية مرتبط بالتخلص من العوائق التجارية بين الدول الأعضاء، ومنها الدعم والحماية الحكومية للشركات الوطنية؛ ما يجعل الشركات العائلية تشعر بالخطر الذي تواجهه الشركات المتعددة الأوطان والجنسيات للشركات العائلية الضعيفة من حيث الموارد المالية والخبرة والتقنية والمعلومات والبحث والتطوير والإبداع والابتكار، ناهيك عن غياب الفكر الإستراتيجي الصحيح في أغلب الشركات العائلية.
لقد فتح انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية آفاقًا جديدة للشركات الأجنبية للدخول في السوق السعودية، ومنافسة شركاتنا في مختلف أسواق السلع والخدمات محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، بل أصبح الكثير من هذه الشركات العملاقة قادرة على طرح منتجات جديدة متطورة منافسة لما تنتجه شركاتنا السعودية، سواء العائلية أو المساهمة منها؛ ما يجعل منتجات الأخيرة في خطر يهددها بالانقراض، لابد أن ننظر للانضمام لمنظمة التجارة العالمية بمنظار تفاؤلي على أنه سيحقق لشركاتنا الفرصة للمنافسة في المدى البعيد إذا حسنت أسباب الميزة التنافسية؛ لذا يجب النظر إلى النصف المليء من الكأس. نظرتنا للسلبيات الناتجة عن انضمام المملكة للمنظمة لن تفيدنا في تطوير شركاتنا وإعدادها للمنافسة، أي أنه سيصبح عاملًا محبطًا للنظرة الإستراتيجية الصحيحة، فلنكن متفائلين ومتقبّلين للمنافسة، وملتزمين بالتغيير والتطوير المُثمر.
ومن الضروري أن تكون سياسة التحوُّل إلى شركات مساهمة مبنية على قناعة وثقافة قوية للشركات العائلية، وليس بديلًا لمواجهة المنافسة العالمية؛ لأن دوافع المنافسة ستموت بعد الحصول على التمويل من خلال الاكتتاب. والمأمول أن يساهم التحوُّل إلى شركات مساهمة في ضخ أموال جديدة إلى سوق الأسهم السعودية وتطوير للاقتصاد السعودي على مستوى المستثمرين الصغار والكبار. سيستفيد الصغار من المستثمرين من الاكتتاب في الأسهم المطروحة، وسينمو المؤشر ليعكس، إن شاء الله، قوة اقتصادنا الوطني. ستزيد قوة الشركات العائلية المالية بعد طرحها الاكتتاب، بحيث تستطيع تطوير نفسها في نقاط الضعف الإستراتيجية لتصبح قادرة على منافسة الشركات الأجنبية.
قد يقول البعض: لماذا لا تندمج الشركات العائلية لتحقق قوة تآزرية وتكاملية بينها، ولتصبح قادرة على التكامل الإنتاجي في مختلف أسباب تطوير الكفاءة الإنتاجية من تمويل وبحث وتطوير وتسويق ومهارات عديدة لا تستطيع تحقيقها منفردة. سينجح الاندماج إذا كان لدى الملاك والإدارات في هذه الشركات الثقافة والقناعة بالاندماج الذي تذوب عنده الهوية الشخصية لكل شركة وتصبح الهوية الوطنية هي الأهم والأسمى، بحيث لا يهيمن شريك على الآخر.
نقلا عن اليوم