دورات صعود ونزول أسواق الأسهم

26/04/2023 0
د.صالح السلطان

عبارة "صعود ونزول سوق الأسهم" دخلت قاموسنا المالي أو الاقتصادي بقوة. ويتفاوت الناس في فهم المعنى. فمثلا، قد يحصل نزول يراه البعض انهيارا، لكنه عند آخرين ليس كذلك. وفي هذا نقاط أساسية يساعد العلم بها على تقريب معنى العبارة وتقليل الخلافات حولها، النقطة الأولى فيما يسمى توازن السوق. حالة تحدث عندما تكون الكميات المرغوب في شرائها "الطلب" مساوية أو مقاربة للكميات المرغوب في بيعها "العرض" في ظرف زماني ومكاني محدد. توازن السوق عبارة يكثر استخدامها في الاقتصاد والمالية، وهي متصلة بما يسمى بقانون العرض والطلب، هل البعض على خطأ؟ لا شك في وجود الخطأ. وتبعا تتربح الأقلية من خطأ الأكثرية. ولبعض آخر تعديل التعبير. هو ليس خطأ دوما بل قد تكون فرصا فاتت على البعض لأسباب كثيرة.

ما سبق يعني ضمن ما يعني وجود تصاعد وعكسه. وطبعا يولع الناس نفسيا في الأسواق المتصاعدة المسماة في اللغة الإنجليزية Bull Markets، في الوقت الذي نحب فيه تصاعد السوق، لا يمكن لكل فرد أن يربح، لأنه لو كان ذلك ممكنا فهذا يعني أن النقود -الفلوس- تأتي مجانا من لا شيء. في ظرف زماني قصير تتوافر فيه كميات ثابتة أو في حكم الثابتة من العين -المقصود هنا الأسهم- المتاحة للتبادل في البيع والشراء، فإن عملية التبادل في حقيقتها تمثل منافسة أو مباراة أو لعبة Game، وللفائدة، فإن وصف التبادل بأنه منافسة أو لعبة لا يقتصر على السوق المالية. عامة عمليات التبادل بين الوحدات الاقتصادية من منتجة ومستهلكة في مختلف الأسواق تعد حقيقة منافسة أو لعبة، وفي أدبيات الاقتصاد الجزئي كتب كثيرون بلغة رياضية معقدة بعض الشيء، عما يسمى نظرية اللعبة Game Theory.

لنأخذ بداية للعبة، ولتكن هذه البداية سوقا ضعيفة، يراها الناس في صورة أسعار هابطة بعد ارتفاع. عامة الناس متشائمون لا يرغبون في الشراء. كيف؟ في ظل هذه الأوضاع، فإن الأكثرية يغلب عليهم التشاؤم من مزيد هبوط في الأسعار. هذا التشاؤم مصحوب بمصاعب على هؤلاء من الانتظار الطويل في الأغلب لحاجتهم إلى النقود، ولذا تكون لدى أغلبهم أو نسبة كبيرة منهم رغبة في البيع. أي: إن السوق الآن سوق عرض مقابل طلب ضعيف، السوق رخيصة مقومة بأقل مما تستحق، مقارنة بالأوضاع والأسعار سابقا، ولذا فالفرصة مهيأة للشراء بسعر مخفض والكلام نسبي، كما هي الحال عند وجود أسعار مخفضة في أسواق السلع والخدمات. المستثمرون المستغلون للفرص يشترون في سوق التخفيضات آملين أن يتمكنوا من بيعها بسعر أعلى في المستقبل غير البعيد.

في أمريكا، على سبيل المثال، هؤلاء المستغلون للفرص كثيرا ما يكونون من المختصين في سوق نيويورك، ومن صانعي NASDAQ، السوق المالية الأمريكية المشهورة، ومن أفراد يعملون داخل الشركات. ويجمع بين هؤلاء أن لديهم القدرة على الحصول على معلومات ليست متاحة لعامة الناس، ومع دخول هؤلاء في عمليات شراء، تبدأ الأسعار في الارتفاع. وتبدأ صناديق الاستثمار المشتركة في الشراء بكميات هائلة، وهكذا تستمر الأسعار في الارتفاع، بسبب ازدياد الطلب، يرجع التفاؤل إلى السوق، ومن ثم ترتفع الرغبة في شركات كثيرة إلى طرح بعض أسهمها في السوق بسعر مرتفع، ويعود ما يسمى بصغار المستثمرين في الاندفاع إلى اللعبة من جديد. يشتري بعض هؤلاء الصغار أسهم شركات بعينها تأثرا بثقافة سمعت. وتستمر الأسعار في الارتفاع حتى تصل أو تتجاوز السعر المفترض أنه السعر التوازني.

ماذا بعد ذلك؟

السيولة المتوافرة لدى عامة الناس التي تغذي ارتفاع الأسعار تبدأ في النفاد، ما يفتح بابا لهبوط الأسعار. هذا الباب ينتظر أخبارا سيئة حتى يفتح على مصراعيه لموجة أو موجات من الهبوط. بدايات حركة البيع تجر إلى انخفاضات. وتظهر حركة نزوح واسعة حيث يكثر الباحثون عن مخارج للخروج من السوق، وتضعف رغبة كثيرين في البقاء، ومع ذلك هناك الصامدون. هنا نرجع إلى نقطة البداية التي بدأنا بها هذه الصورة. وتبدأ مرة أخرى دورة اشتر في الانخفاض وبع في الارتفاع، لكن تذكر عزيزي القارئ نقطة، كل ريال كسب من طرف هو على حساب طرف آخر، التغير في أسعار الأسهم صعب التنبؤ به. عندما تعلن المعلومات التي هي موضع توقع السوق، فإن أسعار الأسهم لا تتأثر بقوة بإعلان هذه المعلومات. هذا يفسر لماذا في حالات كثيرة تنخفض أسعار أسهم عند إعلان نتائج جيدة. رغم أن هذا يبدو غريبا، إلا أن النتائج المعلنة ليست جيدة بالجودة التي توقعها السوق. مثلا لو غلبت التوقعات في السوق بزيادة الأرباح 25 في المائة، بيمنا الواقع أنها زادت 15في المائة، فإن هذا يعني أن إعلان النتائج دون الطموحات، ومن ثم تنخفض أسعار تلك الأسهم.

هناك نظرية في التصرفات الاقتصادية باسم نظرية التوقعات الرشيدة. وقد استفيد منها لبناء فكرة سميت "المشي العشوائي" لأسعار السندات"، التي تتلخص في أن التغير في أسعار الأسهم هو من قبيل "المشي العشوائي"، نظرية المشي العشوائي كانت عالميا محل اختبار كم هائل من الدراسات التطبيقية. كثير من هذه الدراسات أيدت النظرية. ورغم وجود دراسات لم تؤيدها، فإن النظرية استطاعت تفسير كيفية تطور أسعار الأصول المالية، وعلى رأسها الأسهم.

باختصار، لا شك أن التوقعات متفاوتة ويزداد التفاوت مع الأزمات الاقتصادية عالميا. ومن المهم تذكر أن المخاطرة عالية في سوق الاسهم، وأن الحكيم لا يضع بيضه في سلة واحدة، وأن الاستثمار المالي أوسع بابا من الاستثمار في الأسهم فقط.

 

نقلا عن الاقتصادية