أعلن المركز الوطني للتخصيص إعداده طرح مشاريع عملاقة، تتمتع بكونها ذات آثار مرتفعة اقتصاديا وتنمويا، تضمنت تلك السلسلة من المشاريع المزمع تخصيصها نحو 200 مشروع قائم، توزعت على 17 قطاعا، وقدر المركز الوطني للتخصيص القيمة الإجمالية لمحفظة المشاريع المتجهة إلى تخصيصها باستثمارات رأسمالية تقديرية تتجاوز 200 مليار ريال. وأشار المركز إلى أن العمل قائم ومستمر على مستوى الإعداد والتجهيز على نحو 300 فرصة استثمارية أخرى، يستهدف المركز من خلالها تحقيق عديد من النتائج الإيجابية اقتصاديا وتنمويا، كان من أهمها تحفيز تدفق استثمارات جديدة في عدد من القطاعات الحكومية، ودفع عجلة الاقتصاد نحو مزيد من التقدم، بالاعتماد على فتح المجال محليا في تلك المشاريع الخاضعة للتخصيص أمام الاستثمارات المحلية والعالمية، علاوة على دعم المحتوى المحلي بشكل مباشر وغير مباشر، إضافة إلى العمل على رفع الجودة في الخدمة والارتقاء بها إلى مستوى تطلعات الحكومة والمواطن، إلى جانب تحسين الكفاءة التشغيلية لهذه الخدمات، وتلبية احتياجات القطاعات في طرح المشاريع أمام القطاع الخاص.
تمثل الجهود القائمة خلال الفترة الراهنة على طريق تخصيص المشاريع الحكومية، وتحويلها إلى بيئة الأعمال المحلية، نقلة نوعية وعملاقة على مستويات مختلفة، ستكون لها الآثار الواسعة في مستوى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني عموما، التي ستذهب به بعيدا في طريق زيادة تنويع القاعدة الإنتاجية المحلية، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، ورفع كفاءة الإنتاج والتشغيل، إضافة إلى صنع مزيد من فرص العمل المجدية أمام الموارد البشرية المواطنة، واقترانه بتحسين مستويات الأجور، التي من شأنها في الأجلين المتوسط والطويل، احتواء الجزء الأكبر من الآثار العكسية المحتملة على شريحة واسعة من الوظائف في الأجل القصير، وهو الأمر المتوقع في مثل هذه التحولات الاقتصادية الهيكلية العملاقة، التي سيقف الاقتصاد الوطني في نهاية الأمر أمام مصفوفة عملاقة، تكون في نهاية حسابها الختامي أمام عوائد اقتصادية وتنموية تتجاوز إلى حد بعيد جدا التكاليف والآثار العكسية الناتجة عن التحولات قصيرة الأجل التي ستصاحبها.
يترقب الاقتصاد الوطني جني مكاسب واسعة في الأجل الطويل من تلك التحولات الهيكلية، التي تتوزع بين مكاسب تنموية واقتصادية ومالية حتى اجتماعية، تبدأ على سبيل المثال لا الحصر من: أولا، رفع الكفاءة التشغيلية للمشاريع التي سيتم تخصيصها، وتحسين جودة إداراتها وتسيير أعمالها، إضافة إلى رفع مستوى الخدمات التي تقدمها إلى جميع الأطراف المستفيدة منها، وترسيخ مفهوم التنافسية في نشاطاتها، التي ستثمر عن ارتفاع مستوى الخدمات والمنتجات المقدمة، مقابل تنافسية أسعارها وتكاليفها على الأطراف المستفيدة.
ثانيا، الزيادة المطردة في حجم فرص الاستثمار الحقيقية أمام الثروات المحلية والأجنبية، ممثلة فيما تم إعلانه حتى تاريخه في نحو 200 مشروع، إضافة إلى ترقب إعلان 300 مشروع آخر مستقبلا، ليصل إجمالي المشاريع المستهدف تخصيصها إلى نحو 500 مشروع، تحمل في طياتها تحقيقا ملموسا على طريق زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، والارتقاء بمساهمة القطاع على جميع المستويات في الاقتصاد الوطني، التي ستسهم بدرجة كبيرة في تعزيز تنويع قاعدة الإنتاج المحلية من جانب، ومن جانب آخر فتح مزيد من الآفاق الاستثمارية أمام النمو المستدام لكل من القطاع الخاص، وللمشاريع التي تم تخصيصها، سيدفع تحقق تلك المستهدفات في الأجل الطويل إلى زيادة فرص العمل المجدية أمام مئات الآلاف من الموارد البشرية المواطنة، ورفع إمكانية تحسين مستويات الأجور التي ستقترن بإيجاد تلك الفرص الوظيفية، بمشيئة الله تعالى.
ثالثا، سيؤدي التوسع في عمليات التخصيص بتلك المنهجية الواسعة والمطردة، إلى الحد بصورة كبيرة جدا من انشغال وتوجه الأموال والثروات المحلية نحو المضاربات في أغلب القطاعات غير الإنتاجية، بتوفيرها مزيدا من فرص الاستثمار في القطاعات الإنتاجية المهمة، وهو الجانب الذي طالما عاناه الاقتصاد الوطني طوال عقود طويلة مضت، نتج عنها تركز أحجام كبيرة من الثروات في مجال المضاربات المحمومة، كتلك التي تدفقت على المتاجرة في الأراضي غير المطورة في أغلب المدن والمحافظات، ما نتج عنه آثار تضخمية انعكست سلبا على أغلب نشاطات الاقتصاد المنتج، وفي ظل هذه التطورات المهمة الراهنة، يمكن القول إن قنوات الاستثمار المعززة للنمو الاقتصادي المستدام ومتدني المخاطر، أصبحت أكثر انفتاحا وسهولة أمام تدفق تلك الثروات لاقتناص فرصها الاستثمارية المجدية، والنأي بها عن الخوض في المجالات المضاربية عالية المخاطر على الاقتصاد الوطني، وغير المجدية على مستوى تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وعلى مستوى عدم قدرتها على إيجاد أي فرص للعمل أمام أفراد المجتمع.
رابعا، على مستوى المالية العامة، ستسهم المشاريع المخصصة في زيادة العوائد غير النفطية في ميزان المالية العامة من جانب، ومن جانب آخر ستؤدي إلى خفض المصروفات التشغيلية والصيانة في جانب النفقات الحكومية الجارية. فعدا ما ستثمر عنه المتحصلات الأولى من صفقات التخصيص بزيادة الإيرادات البيعية، فإن الأهم في الأجل الطويل هو العوائد غير النفطية "المتنوعة" التي سيتم تحصيلها من تشغيل تلك المشاريع المخصصة، ستؤدي إلى ارتفاعها في منظور الأعوام المقبلة، وصولا بها إلى مستهدفات رؤية المملكة 2030 البالغة نحو 1.0 تريليون ريال بحلول نهاية الفترة، بالتزامن مع ترشيد الإنفاق وتقليص حجم الإنفاق الجاري على تلك المشاريع، ما سيسهم في زيادة قدرة المالية العامة على تحقيق فوائض مستدامة في الميزانية العامة من جانب، ومن جانب آخر تحسين قدرة الإنفاق الحكومي بمزيد من التركيز على بقية الجوانب من الإنفاق الحكومي "جاري، رأسمالي"، وهي المستهدفات المالية بالغة الأهمية في منظور العقود الزمنية المقبلة بمشيئة الله تعالى.
نقلا عن الاقتصادية