دور المراجع الخارجي في عد الأسماك

02/04/2023 3
د. محمد آل عباس

تناولت وسائل التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين، الإعلان الذي نشر في موقع السوق المالية "تداول" عن النتائج المالية السنوية المنتهية في 31-12-2022 للشركة السعودية للأسماك، خصوصا الرأي المتحفظ للمراجع الخارجي الذي ورد فيه كما في الإعلان: "نظرا لعدم توافر الآلية اللازمة للتحقق من كميات الأسماك في ‏البحر، فإننا لم نتمكن من عملية الجرد الفعلي للموجودات الحيوية ‏المتعلقة بالأسماك بقيمة 12.9 مليون ريال سعودي كما في 31 كانون الأول ‏(ديسمبر) 2022. علاوة على ذلك، لم نتمكن أيضا من الحصول على ‏دليل مراجعة كاف وملائم من خلال وسائل بديلة بشأن الكميات ‏المملوكة في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2022. نتيجة لهذه المسألة، فإننا غير ‏قادرين على تحديد ما إذا كان هناك أي تأثير يجب الاعتراف به ‏في قائمة المركز المالي كما في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2022، وفي قائمة ‏الربح أو الخسارة والخسارة الشاملة الأخرى وقائمة التدفقات النقدية‏ ..."، من الغريب أن وسائل التواصل قد أخذت هذا الرأي بطريقة ساخرة، وكأن من غير المتوقع أساسا أن يقوم المراجع بجرد الأسماك. ولهذا فإن الموضوع يستحق النقاش، لأن هذه الحالة الدراسية أبعد بكثير من مجرد عد الأسماك، وهناك وقفات لا بد منها.

أولا، أشكر مراجع الشركة على هذه المهنية العالية في صياغة الرأي، وللمختصين فإن أصعب ما في المراجعة هي صياغة رأي متحفظ، فكيف تخبر الناس بالحقيقة التي تريد أن تقولها دون تحيز، أو تجزم بأمر غير صحيح، لقد تمت صياغة الرأي باحتراف عال ومدرسي، حيث كتب المراجع في تقريره: "لم نتمكن أيضا من الحصول على ‏دليل مراجعة "كاف وملائم" من خلال وسائل بديلة بشأن الكميات ‏المملوكة في 31 كانون (ديسمبر) 2022. نتيجة لهذه المسألة، فإننا غير ‏قادرين على تحديد ما إذا كان هناك أي "تأثير يجب الاعتراف به" ‏في قائمة المركز المالي كما في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2022". إنها عبارات في غاية الجمال، تبين بحق ما هي مهنة المراجعة الخارجية، فالشركة في قوائمها المالية "تدعي" أن هناك كميات من الأسماك تبلغ قيمتها قريبا من 13 مليونا، ولأنها أفصحت عن ذلك في قوائمها المالية، فلا بد للمراجع أن يتأكد من عدة قضايا من بينها أن الأسماك موجودة فعلا، وأنها ملك للشركة وتستطيع التصرف فيها دون قيود، وأن قيمتها صحيحة فلا هي أقل ولا أكثر، وأن طريقة تصنيفها في القوائم المالية صحيحة، وكل قضية من هذه القضايا تتطلب دليلا كافيا من حيث حجمه، وملائما من حيث موضوعه وجودته، وأي خلل في دليل أي قضية من هذه القضايا سيقود المراجع إلى الشك في صحة الإفصاح والرقم، وقد وصل مراجع شركة الأسماك لهذه الحالة الذهنية من الشك، لذلك قرر عدم منح الشركة تأكيدا أن هذا الرقم صحيح، وهنا تظهر براعة النص، فهو لم يقل إن الرقم غير صحيح أو غير دقيق، بل اتهم أدلته وقدرته على الحكم التي لم تكن كافية وكتب "فإننا غير ‏قادرين على تحديد ما إذا كان هناك أي "تأثير يجب الاعتراف به" ‏في قائمة المركز المالي كما في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2022"، وعبارة التأثير التي وردت في النص لها أبعاد كثيرة، فهي تتعلق بتحديد الأهمية النسبية للرقم في مقابل قيمة الأصول وأعمال الشركة، ومدى انتشار هذا التأثير في الأرقام الأخرى.

ثانيا، لقد كان المراجع حريصا على هذه المسألة منذ وقت مبكر، ففي القوائم المالية لعام 2021، ورغم المراجع قد منح الشركة رأيا غير معدل، فقد كتب تحت عنوان الأمور الرئيسة للمراجعة تفصيلات واضحة عن هذه القضية، وأنه يتم الاعتراف بالأصول الحيوية وفقا لمعيار المحاسبة الدولي رقم 41 الزراعة، وكتب أيضا أن الأصول الحيوية تقاس بالقيمة العادلة مطروحا منها تكلفة البيع، وأنه لا يمكن قياس القيمة العادلة بشكل موثوق. ثم أشار في تعليقاته حول هذه المشكلة "مشكلة القيمة العادلة للأصول الحيوية" إلى أنه ناقش منهجية الشركة ونموذج الاحتساب لتقييم الأصول الحيوية وتمت الاستعانة بخبير المراجع الذي قام بمراجعة النموذج بمقارنته بالمعايير في معيار المحاسبة الدولي رقم 41 والمعيار الدولي للتقرير المالي رقم 13، وتم اختبار ما إذا كانت الكتلة الحيوية وعدد الروبيان المستخدم في نموذج الشركة لـحساب القيمة العادلة للأصول الحيوية يتوافق مع حضورنا للجرد وملاحظة الأحواض ونموذج الحساب الرياضي، لم نجد فروقا جوهرية وقمنا بتقييم ما إذا كانت الافتراضات المستخدمة من قبل الشركة في النموذج معقولة أم لا.

ثالثا، من الواضح أنه عندما نفذ المراجع إجراءات المراجعة الصحيحة للتأكد من القيمة العادلة للأسماك وأنها ملك للشركة وأن آليات التقويم صحيحة واستعان بخبير، كل ذلك وفر له "أدلة كافية وملائمة" في 2021 فصدر تقريره غير معدل، لكن عندما فقد في 2022 هذه الأدوات لم يتمكن من تحديد القيمة العادلة فقد صدر عنه تقرير متحفظ، لهذا كله يستحق هذا التقرير الإشارة إليه وعرضه ومناقشته كحالة دراسية مثالية، تم فيها اتباع إجراءات المراجعة الصحيحة والإفصاح بالطرق الصحيحة في كل مرة، ولو لم يشر المراجع إلى موضع القيمة العادلة في بند الأمور الرئيسة في 2021، فقد كان من الصعب علي كقارئ فهم ما هي المشكلة ومدى عمقها في الشركة.

رابعا، كان دور الإعلان عن القوائم المالية في موقع السوق المالية مهما حيث قاد المجتمع لقراءة تقرير المراجع ومناقشته، لذلك لو تم تطوير أيقونة خاصة لإعلانات المرجع الخارجي وفي موقع كل شركة لكان ذلك مفيدا إلى حد بعيد.

لقد قمنا بالمراجعة وفقا للمعايير الدولية للمراجعة المعتمدة في ‏المملكة. ومسؤولياتنا بموجب تلك المعايير ‏موضحة بالتفصيل في قسم مسؤوليات المراجع عن مراجعة القوائم ‏المالية الواردة في تقريرنا. ونحن مستقلون عن الشركة وفقا ‏لقواعد سلوك وآداب المهنة المعتمدة في المملكة وذات الصلة بمراجعتنا للقوائم المالية، وقد وفينا بمسؤولياتنا ‏الأخلاقية وفقا لهذه القواعد. وفي اعتقادنا فإن أدلة المراجعة التي ‏حصلنا عليها تعد كافية ومناسبة لتوفير أساس لإبداء رأينا ‏المتحفظ.

 

 

نقلا عن الاقتصادية