أشرت في المقال السابق إلى ما نصت عليه المادة الـ29 من نظام مجلس الوزراء بشأن رفع إلى رئيس مجلس الوزراء خلال 90 يوما من بداية كل سنة مالية تقرير عما حققته الجهة الحكومية من إنجازات، وقلت إن لكل تقرير محتوى وله أيضا مبادئ لإعداده، وقد تضمنت المادة الـ29 مبادئ المحتوى لكنها لم تحدد مبادئ للإعداد إلا فيما يتعلق بتوقيت التقرير، وكذلك جاء قرار مجلس الوزراء رقم (233) في 1443هـ، بشأن دليل إعداد التقارير السنوية للأجهزة العامة متمما لما شرعت به المادة الـ29 لكنه أيضا جاء كدليل محتوى وليس دليل إعداد.
ويأتي اهتمامي بشأن مبادئ الإعداد لأنها جزء لا يتجزأ من التقرير، فما جاءت المادة الـ29 وما تتمم به القرار 233 إلا من أجل أن تكون تقارير الجهات الحكومية نمطية قابلة للمقارنة، وبهذا يمكن لمتخذ القرار التوجيه حيالها، وهذه المشكلة "أي القابلية للمقارنة" هي الأساس في صدور كل المعايير حول العالم في شتى الموضوعات، إضافة إلى أن الجهات الرقابية لا يمكن أن تقوم بتقييم الأداء دون أن تكون هناك مبادئ يمكن الرجوع إليها. لقد أشرت إلى أن من مبادئ إعداد التقارير عموما مبدأ "الأهمية النسبية"، وتحدثت عنه في المقال السابق، وهناك من المبادئ أيضا مبدأ "التوجه الاستراتيجي"، قد يبدو أن تطبيق هذا المبدأ يتداخل مع مبادئ المحتوى حيث تضمن دليل إعداد التقارير السنوية التوجه الاستراتيجي للجهة، لكن المبدأ هناك ليس ذكر التوجه الاستراتيجي كجزء منفصل ضمن أجزاء التقرير فهو بهذا يعد مبدأ محتوى وليس من مبادئ الإعداد، والأهمية هنا ليست حول المحتوى بل حول قدرة التقرير بشكله الكامل على منح تصور واضح عن التوجهات الاستراتيجية وتحقيقها، وهل تم إعداد التقرير ليقدم هذه الصورة بوضوح، لهذا يجب أن يمتد تأثير هذا البعد "البعد الاستراتيجي" إلى كل المعلومات المقدمة في التقرير، وأنها جميعا تصب في بناء صورة شاملة عن المستقبل وكيف تتحقق الأهداف المخطط لها. فإذا جاء التقرير لعرض الوضع الاستراتيجي والرؤية والرسالة والقيم بشكل منفصل ثم سرد لمعلومات تاريخية دون ربطها بشكل واضح مع الخطة الاستراتيجية، ولفهم أين كانت الجهة الحكومية وهل الأعمال السابقة كانت ضمن المسار الاستراتيجي وإلى أين تسير، فستنخفض قيمة وجودة المعلومات الواردة في التقارير ولن تدعم القرار جيدا.
من المبادئ المهمة عند إعداد التقارير مبدأ "العلاقة مع أصحاب المصلحة" الذي يؤكد أن يربط التقارير بكل معلوماتها بطبيعة ونوعية علاقات الجهة الحكومية مع أصحاب المصلحة، فأصحاب المصلحة هم الذين يتم توجيه التقرير لهم، ولهذا يجب أن تقدم المعلومات الواردة في التقرير بما يعينهم على اتخاذ القرار، هناك تأتي معاني الشفافية والشمولية في الإفصاح، فيجب ألا يتحيز التقرير نحو فئة من فئات أصحاب المصلحة حيث تظهر المعلومات كأنها موجهة لمجلس الإدارة فقط، بل هناك فئات كثيرة من أصحاب المصلحة لهم اهتمامات بشأن المعلومات الواردة، يجب أن يتم الإفصاح عنها لإشباع هذا الاهتمام، إن هذا يقودنا إلى مبدأ مهم أيضا وهو "الحياد"، وهو المبدأ الذي يوجه عملية تحديد حجم المعلومات وشموليتها، فلا يتم إظهار المعلومات التي تمثل الأداء الجيد بينما يتم إخفاء المعلومات والمؤشرات التي لم يتم تحقيق تقدم بشأنها، ولا يتم إيجاز المعلومات التي فيها قصور بينما يتم التوسع في الموضوعات التي فيها نجاح، لا بد أن يكون التقرير محايدا تماما، حيث يغطي كل الموضوعات بالقدر نفسه من الاهتمام، والحياد لا ينفصل عن مبدأ مهم آخر وهو "الاكتمال" حيث يتم عرض كل المعلومات التي يحتاج إليها أصحاب المصلحة، فلا يتم توفير كل المعلومات لطرف وبعض المعلومات لطرف آخر.
يرتبط هذان المفهومان "الحياد والاكتمال" بمفهوم آخر وهو "الموثوقية"، فالمعلومات ذات القدر الكافي من الموثوقية والمستندة إلى أدلة أو تقديرات صحيحة ذات أسس علمية، هي التي يتم إدراجها، وإذا تم إدراج أي معلومة ذات قدر أقل من الموضوعية تجب الإشارة إلى ذلك، فالموثوقية والحياد والشمولية والعلاقة مع أصحاب المصلحة تعد مبادئ مترابطة، لا يمكن فهم أحدها دون الإشارة إلى المفاهيم الأخرى، فهي أبعاد لظاهرة المعلومات الجيدة. وبما أننا نتحدث عن مبدأ الموثوقية كأهم المعايير عند إعداد التقارير بكل أنواعها، بل لعله الأهم على الإطلاق، فإنه يجدر الإشارة إلى أن ذلك لا يتحقق بمجرد أن تعلن الجهة الحكومية تقريرها من قبل إدارة العلاقات العامة أو التخطيط، فالتقرير الذي تقوم بإعداده تلك الإدارات كجزء من مهامها الإعلامية قد لا يحقق كثيرا من مفاهيم وخصائص وأبعاد التقرير وضرورته في اتخاذ القرار الاقتصادي، لهذا تقتضي المعايير الدولية وأفضل الممارسات أن يكون للمسؤولين في الجهة الحكومية "الوزير ونوابه الوكلاء أو مجلس الإدارة في جهات أخرى" مشاركة فعالة في إعداد التقرير، من حيث تخصيص اجتماعات لدراسة التقرير والتأكد بل حتى الإقرار في صفحة مستقلة من التقرير، بأنه بشكله العام يصف صورة صحيحة وعادلة عن أعمال الجهة الحكومية وأنشطتها ومواردها، هذه المسؤولية عن إعداد التقرير مهمة لأنها تضع المسؤولين في الجهة الحكومية تحت ضغط الإقرار السنوي بشأن استخدام الموارد وما ورد في التقرير من إنجازات وغيرها. وهذا الإجراء هو الذي يعطي كلمة "تقرير" معناها الحقيقي.
نقلا عن الاقتصادية