إصلاح مؤسسات «بريتون وودز»

16/03/2023 0
د. ثامر محمود العاني

حثت الهند في اجتماع كبار المسؤولين الماليين في العالم، على التركيز على المواطنين الأشد ضعفاً، وذلك في افتتاح اجتماع مجموعة العشرين يوم الجمعة 3 مارس (آذار) الحالي، الذي يتزامن مع الذكرى الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، أمام وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول مجموعة العشرين في منتجع «ناندي هيلز» في ضواحي بنغالور - الهند، إذ إن الصراع وتأثيره هيمنا على الاجتماع، حيث إن جائحة «كوفيد - 19» والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة في أجزاء مختلفة من العالم أدتا إلى مستويات من الديون لا يمكن تحملها في دول عدة، وتعطل سلاسل الإمداد العالمي، وضرورة إعادة الاستقرار والثقة والنمو إلى الاقتصاد العالمي، والدعوة إلى إصلاح المؤسسات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فمع تجاوز عدد سكان العالم ثمانية مليارات نسمة، يتباطأ التقدم في أهداف التنمية المستدامة، وهناك حاجة إلى عمل جماعي لتعزيز قوة بنوك التنمية متعددة الأطراف لمواجهة التحديات العالمية، مثل تغير المناخ ومستويات الديون المرتفعة.

وأطلق البنك الدولي في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 أول خريطة طريق للإصلاح، يفترض أن تلبي بشكل أفضل احتياجات الدول النامية، ومن المؤمل أن يسمح هذا الإصلاح بجمع التمويل للدول الفقيرة بشكل أكثر فاعلية في مواجهة التحديات التي يفرضها التضخم والمديونية وتغير المناخ، إذ تحاول مجموعة العشرين أيضاً التوصل إلى اتفاق لتخفيض ديون الدول الأكثر فقراً، علماً بأن النقاط الشائكة الرئيسية هي: غياب المعلومات الدقيقة بشأن مستويات الاقتراض، خصوصاً القروض القادمة من بعض الدول المقرضة، ومناقشة إصلاح نظام الضرائب الدولي.

من ناحية أخرى، يشكّل موضوع مدى كفاية حصص العضوية في صندوق النقد الدولي ركناً أساسياً في الهيكل المالي العالمي، الذي جاء في الفقرة 14 من البيان الختامي للقادة في قمة الرياض لمجموعة العشرين، التي عُقدت في 21 و22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، إذ أكد القادة مجدداً الالتزام بضمان شبكة أمان مالية عالمية قوية مدعومة بكفاءة والحفاظ على صندوق النقد الدولي في موضع صدارة تلك الشبكة كمؤسسة قوية تقوم على حصص العضوية وتتوافر لها الموارد الكافية. والتزم القادة بإعادة النظر في مدى كفاية حصص العضوية، ومواصلة عملية إصلاح نظام حوكمة الصندوق في إطار المراجعة العامة السادسة عشرة للحصص، ومن ذلك الاتفاق على صيغة جديدة للحصص للاسترشاد بها، وذلك بحلول 15 ديسمبر (كانون الأول) 2023، إذ دعا القادة الصندوق إلى مواصلة استكشاف أدوات إضافية يمكنها خدمة احتياجات الأعضاء مع تطور الأزمة وتعزيز المتانة المالية طويلة الأجل، ودعم النمو، وتعزيز التدفقات الرأسمالية المستدامة، وتطوير أسواق رأس المال المحلية، إذ إن الدول الأعضاء بالصندوق وافقت على الإبقاء على إجمالي موارد الإقراض لدى الصندوق البالغة تريليون دولار، وتأجيل أي تغييرات على هيكل المساهمين، وذلك بحلول 15 ديسمبر (كانون الأول) 2023.

وكان آخر قرار يتعلق بالحصص تم اتخاذه عند التئام شمل وزراء مالية مجموعة العشرين في كوريا الجنوبية؛ حيث نص قرار وزراء مالية المجموعة على مضاعفة حصص البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي لتبلغ نحو 476.8 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (نحو 755.7 مليار دولار)، بدلاً من الحصص التي كانت تبلغ قيمتها آنذاك 238.4 مليار وحدة، مع حدوث زيادة في الحصص النسبية، ومن ثم في القوة التصويتية لصالح بلدان الاقتصادات الناشئة، على رأسها الصين.

إن تأجيل حزمة إصلاحات الحوكمة والحصص في صندوق النقد يجعل المجتمع الدولي يشعر بخيبة أمل شديدة إزاء التأجيل المستمر لحسم موضوع الحصص في الصندوق بشكل يتوازن مع الحجم الاقتصادي للدول الكبيرة مثل الصين والبرازيل والسعودية، ويمنحها مزيداً من الأصوات في الصندوق، بما يعكس التغييرات في المشهد الاقتصادي العالمي، ولعل إصلاح نظام الحصص يمثل تطوراً كبيراً يحتاج إلى المضي قدماً نحو تحقيقه من أجل تنفيذ ما جاء في قرار قادة العالم، إذ يجب أن تكون هناك قوة دفع تشارك فيها جميع الدول في صندوق النقد بما يقابل مساهمتها في التنمية الاقتصادية، لا سيما أن محفظة الصندوق تضاعفت لتبلغ تريليون دولار مما جعله يتمتع بقدرة مالية أكبر.

ومن أجل تحقيق عالم أكثر عدالة وإنصافاً وتوازناً واستقراراً، لا بد من النظر إلى الأحجام الاقتصادية للدول، إذ يبلغ حجم الاقتصاد الأميركي 23.3 تريليون دولار، ويمثل 24.1 في المائة من الاقتصاد العالمي، وتأتي الصين في المرتبة الثانية بحجم اقتصاد 17.7 تريليون دولار، ويمثل 18.3 في المائة من الاقتصاد العالمي عام 2021، علماً بأن حجم الناتج المحلي الإجمالي في العالم بلغ 96.53 تريليون دولار، وفق بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي.

 

نقلا عن الشرق الأوسط