تذكر الأرقام أن النمو الاقتصادي وصل إلى أكثر من 8 في المائة، لكن أنا في واقع عملي الفعلي في جميع مصانعي لا أشعر بقوة هذا النمو، حتى شركات الأسمنت نمو مبيعاتها عادي وأسعاره نازلة و"إحنا أغلب شغلنا ذو علاقة بالعمران".
نحتاج إلى رأي منك أيها الاقتصادي؟
سؤال مشروع وردني من أحد رجال الأعمال متوسطي الحجم قياسا على المبيعات والتجربة التي تمتد إلى نحو ثلاثة عقود. السؤال موضوعي ومحير للاقتصاديين خاصة من زاوية الإسقاط النظري على واقع عملي. للإجابة على السؤال عملت بحثا قصيرا وتواصلت مع عدة اقتصاديين مرموقين في المملكة عملوا ويعملون في عدة جهات. توصلت إلى عدة نقاط في محاولة للإجابة أختصرها في التالي:
- رقم النمو العالي مكون من جزأين الأول الاقتصاد النفطي وغير النفطي، نمو الاقتصاد النفطي كان 15.4 في المائة مقابل 5.4 في المائة بينما النسبة العامة 8.7 في المائة لعام 2022. لذلك أعمال رجل الأعمال في دائرة النسبة الأقل رغم أنها نسبة طيبة في ظل تباطؤ الاقتصادات العالمية.
- الجزئية الأخرى في الدائرة الأصغر أن أعماله ليست في المجالات الجديدة الأكثر نموا مثل قطاعات الأكل والشرب والترفيه والمواصلات. لذلك الاستفادة تعتمد أحيانا على المرونة في اختيار مجال الأعمال الأعلى فرصا لأن الاقتصاد بطبعه متغير. القطاعات الأقل والأعلى ربحية ليست نفسها في كل دورة أو مرحلة اقتصادية.
- من المهم معرفة ما يؤثر وما لا يؤثر، فمثلا هناك من يقول إن صندوق الاستثمارات العامة يزاحم القطاع الخاص، لا أعتقد أن الصندوق يزاحم لأنه مركز على مشاريع كبيرة ويوظف كثيرا من شركات القطاع الخاص لتحقيق مشاريع الصندوق، لذلك هو يوسع الدائرة ويمكن لآخرين.
أحيانا هناك أسباب في دائرة الاقتصاد الجزئي وهذا يتكون من جزأين: الأول أن اقتصادات قطاع معين تغيرت لأسباب عامة مثل تكلفة المدخلات ارتفعت بأعلى من الأسعار في المنتجات المبيعة وبالتالي هناك ضغط على هامش الأرباح. الثاني، هناك أحيانا أسباب تخص إدارة الشركة، ما يناسب من نماذج إدارية في هذه الفترة حتى كوادر بشرية قد لا يناسب نموذجا جديدا بظروف جديدة. كذلك ربما هناك منافسون جدد بطرق جديدة أكثر جاذبية استطاعوا جذب العملاء الأكثر ربحية، فبينما مبيعات الشركة ارتفعت لكن الهامش انخفض مقابل شركات أخرى مبيعات أقل وهامش أعلى في القطاع نفسه.
- التضخم أحيانا كثيرة يشوه الصورة الكلية والجزئية، فتجد الربحية ضعفت لأن الشركات لا تستطيع تمرير كل التكاليف للعملاء بسبب أن دخولهم لم ترتفع، لأن الأجور لا ترتفع بسرعة ارتفاع الأسعار نفسها ما يخفض الهوامش.
- نخص الأسمنت بتعليق قصير لأنه ذكر في السؤال، الأسمنت يعاني التوسع في العرض واستقرار الإنفاق العام، وأيضا بسبب تكاثر الشركات والرقابة لم يعد هناك تعاون بين الشركات للتحكم في الأسعار.
- من ناحية تحليلية ربما انخفض عامل المضاعف الاقتصادي للإنفاق العام بسبب التغيرات الهيكلية في الاقتصاد بإعادة ترشيد الدعم والرسوم والضرائب، بالتالي لم تعد المصروفات العامة تنعكس بالمستوى نفسه على أداء الشركات. أحد جوانب التغير الهيكلي أن الناس في المملكة والعالم أجمع أصبحت تدفع أكثر لما تصرف الوقت فيه أكثر مما تقتنيه.
أخيرا حين يمر اقتصاد معين بمرحلة تحولية لا بد من قواعد جديدة ومساحات مختلفة ولاعبين جدد. المهم تعميق الاقتصاد بالقيمة المضافة وتدوير المال داخليا بسرعة أعلى ودقة في الاستثمارات النوعية. المنافسة ضرورية في ظل ما يجمعه المصلحة العامة للاقتصاد الوطني بغض النظر عن الكاسب الجديد والكاسب الماضي. لا يستطيع الاقتصادي الإجابة على كل الأسئلة وستستمر الأسئلة لأن الظروف تتغير.
نقلا عن الاقتصادية