نص نظام الشركات الصادر في 2022، في المادة الـ11 منه على أنه: "أولا"، (يجوز للمؤسسين أو الشركاء أو المساهمين ـ سواء خلال مدة تأسيس الشركة أو بعدها ـ ما يأتي:
أ- إبرام اتفاق أو أكثر ينظم العلاقة فيما بينهم أو مع الشركة، بما في ذلك كيفية دخول ورثتهم في الشركة سواء بأشخاصهم أو من خلال شركة يؤسسونها لهذا الغرض.
ب- إبرام ميثاق عائلي يتضمن تنظيم الملكية العائلية في الشركة وحوكمتها وإدارتها وسياسة العمل وسياسة توظيف أفراد العائلة وتوزيع الأرباح والتصرف في الحصص أو الأسهم وآلية تسوية المنازعات أو الخلافات، وغيرها. "ثانيا"، يكون الاتفاق أو الميثاق العائلي ملزما، ويجوز أن يكون جزءا من عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس.
ويشترط ألا يخالف النظام أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس).
هذه المادة تحتاج إلى تأمل واسع، فالنظام فرق بين موضوعات مهمة، وهو عقد التأسيس، ونظام الشركة، والاتفاق بين الشركاء، والميثاق العائلي، فما الفرق بين كل هذه الأدوات النظامية؟ وكيف يتم العامل معها؟
ونصت المادة السابعة التي أخذت عنوانا لها "وثائق تأسيس الشركة"، أن يكون لكل شركة تؤسس وفقا لأحكام النظام عقد تأسيس، عدا شركة المساهمة وشركة المساهمة المبسطة والشركة ذات المسؤولية المحدودة المملوكة لشخص واحد، فيكون لكل منها نظام أساس، يجب أن يشتمل عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس على الأحكام والشروط والبيانات التي يتطلبها النظام وبما يتناسب مع شكل الشركة، كما يجب أن يكون عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس باللغة العربية، ويجوز أن يكون مقرونا بترجمة إلى لغة أخرى، تعد الوزارة نماذج استرشادية لعقود تأسيس الشركات وأنظمتها الأساسية وذلك بما يتناسب مع شكل الشركة.
فإذا كانت المادة الرابعة قد حددت أشكال الشركات (أ) شركة التضامن، (ب) شركة التوصية البسيطة، (ج) شركة المساهمة، (د) شركة المساهمة المبسطة، (هـ) الشركة ذات المسؤولية المحدودة.
فإن شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة هي الأشكال التي لها عقد تأسيس، بينما الشركات الأخرى لها نظام، وعقد التأسيس والنظام يكون وجوبا وانعكاسا لمتطلبات نظام الشركات، وهي بين الشركاء فقط، ولها نماذج استرشادية.
في المقابل يأتي الاتفاق بين الشركاء جوازا، وهو يعكس حالة استثنائية بين شركاء لا تربطهم علاقة عائلية بالضرورة، كأن يكونوا أصدقاء فقط، لكنهم يريدون لهذه الشركة نوعا من الاستدامة القانونية، فقد سمح النظام لهم بعقد اتفاق بينهم يوضح العلاقات بينهم ويحدد آليات دخول الورثة والأبناء وتعينهم في الشركة، وخلاف ذلك من القضايا التي تتسبب عادة في مشكلات بين الشركاء ولا يوجد نظام يفصل فيها، وهذا الاتفاق ليس ملزما في النظام وإنما يكون جوازا، لكن بمجرد إبرام هذا الاتفاق يصبح ملزما للأطراف، وهذا ما نصت عليه الفقرة (2) من المادة الـ11، بأن يكون الاتفاق أو الميثاق العائلي ملزما، ويمكن أن يكون جزءا من عقد التأسيس ومن نظام الشركة وذلك جوازا، فالنظام قدم خدمة جليلة لتلك الشركات التي نشأت بين أصدقاء ليست بينهم روابط عائلية ولحوكمة العلاقات التي تكون مصاحبة لمثل هذه الشركات، ومن بينها انتقال تمثيل الورثة في الشركة في حال وفاة الشريك المؤسس، والنزاعات التي تنشأ بشأن التوظيف، وبشأن مجلس الإدارة، وكلها نزاعات تتسبب في مشكلات تهدد استدامة الشركة، فالاتفاق بين الشركاء يصبح أداة نظامية لحوكمة جميع العلاقات الناشئة من الشركة، التي لا تتم حوكمتها عادة في نظام الشركات أو عقد التأسيس، ويمكن أن ينص على إلزامية هذا الاتفاق وكونه أحد الأركان القانونية للشركة وبذلك لا مفر أمام عائلة كل شريك من الالتزام بهذه الوثائق وما اشتملت عليه من قواعد قانونية ملزمة لهم.
كذلك الحال في الميثاق العائلي، والفرق بين الميثاق العائلي والاتفاق هو أن العائلة أساس بناء الشركة، كأن تكون مؤسسة فردية أو شركة من شخص واحد قبل أن تنتقل إلى الورثة من الجيل الأول، الذين هم في العادة من الإخوة وأسهموا مع الأب في بناء الشركة، وقد تكون الحصص غير واضحة ومساهمة كل أخ في العائلة في الشركة غير موثقة، ما قد يكون محل خلاف كبير عندما تنتقل الشركة العائلية إلى الجيل الثاني، وهم أبناء الإخوة، أو أحفاد المؤسس، وتشهد المحاكم السعودية قضايا كثيرة من هذا النوع، ولا توجد نصوص ملزمة لأي طرف بشأن الميراث في الشركة، ولقد انتهت مؤسسات عملاقة في الفندقة والمقاولات والتجزئة بسبب إصرار بعض أفراد الأسرة على بيع حصصهم في الشركة، دون الاكتراث بالحق العام في هذه المؤسسات الكبيرة، ولا في حقوق الموظفين الذي أمضوا زهرة العمر في بناء هذه المؤسسات ولا حق أسرهم في العيش تحت كنفها، وبذلك تعرضت استدامة هذه المؤسسات لتهديد صريح، يأتي الميثاق العائلي لحل هذه الإشكاليات من جذورها، بل حل مشكلات مثل التوظيف، والقيادة والتعيينات والورث والتوزيعات وآليات اتخاذ القرار ومجلس العائلة وغيرها من القضايا، وهذا الميثاق في نص المادة الـ11 غير ملزم ابتداء، لكن بمجرد التوقيع عليه يصبح ملزما لجميع الأطراف ويمكن أن ينص عليه في نظام الشركة، وهذه المسألة مهمة جدا.
لقد نصت المادة الـ11 على أنه يجوز أن يكون الاتفاق والميثاق جزءا من عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس. بشرط ألا يخالف النظام أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس، وهذا يشمل الشركات المساهمة، فهل من المناسب الآن أن يصبح ميثاق العائلة جزءا من نظام حوكمة الشركات حتى لو لم يكن إلزاميا؟ أترك هذا السؤال للنقاش مع القراء الكرام.
نقلا عن الاقتصادية