تزامن ارتفاع الإيجارات مع الركود العقاري

01/03/2023 3
عبد الحميد العمري

كان لافتا تزامن بداية ارتفاع الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن مع دخول النشاط العقاري في مرحلة ركود، ففي الفترة التي بدأت السوق العقارية بتراجع نشاطها طوال التسعة أشهر الماضية، بدءا من تموز (يوليو) 2022 انطلق الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن في مسار صاعد خلال الشهر السابق له، بارتفاعه سنويا بـ1.1 في المائة خلال حزيران (يونيو) 2022، واستمر في الارتفاع حتى نهاية كانون الثاني (يناير) 2023 مسجلا ارتفاعا بـ7.7 في المائة، مع الإشارة إلى أن الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن ظل يسجل معدلات سلبية طوال 61 شهرا متتالية خلال الفترة شباط (فبراير) 2017 - فبراير 2022، وصلت محصلتها النهائية طوال تلك الفترة إلى انخفاض الرقم القياسي للإيجار بـ18.4 في المائة.

وحتى تبدو الصورة أكثر وضوحا، تركز الارتفاع في الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن في الرياض وجدة، بارتفاعه سنويا بـ10.9 في المائة في الرياض، وارتفاعه سنويا في جدة بـ23.3 في المائة، وبالنسبة إلى بقية المدن سجلت أغلبها انخفاضا سنويا، وفي المدن التي سجلت ارتفاعات سنوية لم تتجاوز كأعلى نسبة 3.3 في المائة (حائل).

كما تركز الارتفاع حسب نوع العقار المستأجر في "الشقق" بنسبة ارتفاع سنوية 19.3 في المائة، ثم "دور فيلا" بنسبة ارتفاع سنوية 10.8 في المائة، بينما جاءت ارتفاعات بقية الأنواع مقاربة لمعدل التضخم.

وبمقارنة التطورات السابقة أعلاه بما تضمنته بيانات وزارة العدل، على مستوى عدد قضايا طلبات التنفيذ ضد المتعثرين عن سداد قيمة الإيجار عند استحقاقه، بناء على المسجلين في عقد "الإيجار السكني الموحد" خلال الـ12 شهرا التي سبقت يناير 2023، ومقارنتها بالفترة نفسها خلال العام الذي سبقها، فإن بيانات وزارة العدل تظهر ارتفاع عدد تلك القضايا بـ44.0 في المائة (135.8 ألف طلب تنفيذ)، مقارنة بالفترة نفسها التي سبقتها (94.3 ألف طلب تنفيذ)، وجاءت اتجاهات تلك القضايا في كل من منطقتي الرياض ومكة المكرمة، كونهما المنطقتين اللتين تضمان المدينتين الأعلى ارتفاعا في الرقم القياسي المدفوع للإيجار السكني كما سبق أعلاه، ففي جدة التي سجلت الارتفاع الأكبر بـ23.3 في المائة، سجلت منطقتها خلال الفترة ذاتها ارتفاعا في عدد المتعثرين عن سداد قيمة الإيجار بـ25.6 في المائة، بينما سجلت منطقة الرياض ارتفاعا أكبر في عدد المتعثرين عن سداد قيمة الإيجار بنسبة بلغت 52.5 في المائة، بالتزامن مع ارتفاع الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن في الرياض بـ10.9 في المائة.

مما تقدم، تظهر المقارنات أعلاه وجود درجة عالية من الارتباط بين ارتفاع الإيجارات من جانب، من جانب آخر ارتفاع معدلات التعثر عن سدادها، وهو أيضا أظهرته مقارنة بقية المناطق والمدن من حيث ارتفاع الإيجارات ومعدلات التعثر، التي سجلت ارتفاعا في معدلات التعثر تجاوزت منطقتي الرياض ومكة والمكرمة، على الرغم من تدني نسبة ارتفاع الإيجارات فيها، أو حتى تسجيلها معدلات تراجع سنوية، كالمنطقة الشرقية التي سجلت ارتفاعا في معدلات التعثر بـ55.4 في المائة، مقابل ارتفاع تكلفة الإيجارات بمعدل سنوي لم يتجاوز 1.0 في المائة في الدمام، وانخفاضه في الهفوف 1.4 في المائة.

وفي منطقة المدينة المنورة ارتفعت معدلات التعثر 43.7 في المائة، مقابل تراجع تكلفة الإيجارات بمعدل سنوي بلغ 1.3 في المائة.

تشير المقارنات أعلاه إلى أن ارتفاع تكلفة الإيجارات قد يشكل أحد أكبر العوامل التي أدت إلى ارتفاع معدلات التعثر، وأنه ليس العامل الوحيد أيضا، إذ حملت المقارنات أعلاه وجود عوامل أخرى، كما حدث في المدن التي على الرغم من تراجع تكلفة الإيجارات فيها، إلا أنها شهدت ارتفاعا في معدلات التعثر عن سداد الإيجارات، ما يستدعي قيام الأجهزة ذات العلاقة بدراسة هذه التطورات، والبحث عن الأسباب أو العوامل الأخرى التي أدت إلى هذه النتائج اللافتة، وهل لها علاقة بفقدان رب الأسرة مصدر دخله أو انخفاضه؟ أو هل ترتبط الأسباب بارتفاع التكاليف الأخرى للمعيشة؟ أو هل ترتبط الأسباب بارتفاع حجم القروض على رب الأسرة؟ أو أي أسباب أخرى قد يكشف عنه البحث والدراسة الدقيقة.

إلا أنه بما أكدته المقارنات أعلاه إلى حد بعيد جدا، من وجود علاقة كبيرة بين ارتفاع تكلفة الإيجارات وزيادة معدلات التعثر عن سداد الإيجارات، سيكون من الأهمية بمكان إقرار إجراءات تنظم سوق الإيجارات السكنية والتجارية على حد سواء، وأن تكون ضمن أنظمة وإجراءات تقوم على وضع الضوابط اللازمة لهذه السوق، فترتبط بالأوضاع الاقتصادية القائمة، ولا تترك دون قيود منظمة لها لأهواء ملاك العقارات والسماسرة، خاصة أن عديدا من المواقع في المدن الرئيسة شهدت ارتفاعات قياسية في تكلفة الإيجارات السكنية والتجارية على حد سو الذي دفع بارتفاع معدل التضخم محليا، في الوقت ذاته الذي تم إحكام السيطرة على أكبر مغذيات التضخم محليا طوال العامين الأخيرين.

كما لا بد من البحث عن الأسباب التي قادت ملاك العقارات والسماسرة إلى رفع تكلفة الإيجارات بتلك النسب المرتفعة، بالتزامن مع دخول السوق العقارية المحلية في مرحلة ركود منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة حتى تاريخه التي شهدت أعلى معدلات الارتفاع في تكلفة الإيجارات، وهل لذلك علاقة بدفع أرباب الأسر المستأجرين نحو شراء العقارات خلال فترة الركود الراهنة أم لا؟ لتجد شريحة المستأجرين أمام الارتفاع القياسي لتكلفة الإيجارات، أنها مرغمة على الشراء رغم ارتفاع تكلفته ومصادر تمويله! كل هذا يتطلب البحث عنه، ويتطلب قبل كل ذلك وضع تنظيم للسوق يحكم ويقيد أي عمليات رفع لتكلفة الإيجارات، وأن تأتي ضمن التطورات الاقتصادية والمالية القائمة، بما يؤدي إلى المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء، وألا تبقى تلك الجوانب خاضعة لأهواء ورغبات ملاك العقارات والسماسرة دون قيد أو شرط. والله ولي التوفيق.

 

 

نقلا عن الاقتصادية