من يشتري سندات 100 عام؟

26/02/2023 8
د. فهد الحويماني

معظم السندات التي يتم إصدارها، سواء من قبل الشركات أو الحكومات، لا تتجاوز مدتها 30 عاما، لكن يحدث أحيانا أن تقوم بعض الدول أو الشركات الكبيرة بإصدار سندات مدتها 100 عام، وهذا ما قام به صندوق الاستثمارات العامة قبل أشهر قليلة حين أصدر سندات 100 عام وسط إقبال كبير من قبل المستثمرين، من يشتري سندات 100 عام؟ ولماذا يشترونها؟ وما سبب إصدار هذا النوع من السندات؟، الحقيقة أن هناك سندات نادرة مدتها ألف عام، وهناك سندات أبدية لا يوجد لها تاريخ استحقاق، فقط أن تقوم الجهة المصدرة بالاستمرار في دفع الفوائد الدورية إلى الأبد، وهذا كذلك تم العام الماضي من قبل مصرف الراجحي الذي أصدر صكوكا أبدية بفائدة 5.5 في المائة وتحصل منها على عشرة مليارات ريال، بالنسبة إلى الجهة المصدرة لسندات 100 عام فالسبب الرئيس يكون لضمان سعر فائدة معين لأطول مدة ممكنة، فمثلا صندوق الاستثمارات العامة أصدر سندات بمبلغ 500 مليون دولار وبفائدة مرتفعة نسبيا بلغت 6.7 في المائة، تجاوز الطلب عليها من قبل المستثمرين ثلاثة مليارات دولار.

أما من يشتري هذه السندات فهي إما جهات لديها التزامات طويلة الأمد وترغب في ضمان الحصول على عوائد مناسبة لأعوام طويلة، كشركات التأمين ومؤسسات التقاعد، وإما في بعض الحالات يلجأ إلى ذلك بعض كبار المستثمرين كوسيلة لنقل الثروة إلى الذرية لكون ذلك أفضل بكثير من القيام بذلك عن طريق العقار أو الأسهم أو غيرهما، وفي معظم الحالات، المشترون يكونون صناديق سندات تحتاج إلى إضافة سندات طويلة المدى إلى محافظها المالية بهدف تعديل أمد السندات، ما يعرف بـ duration.

ما المقصود بأمد عمر الأعوام وما أهميته؟

هناك عدة طرق لقياس أمد محفظة السندات لن نتحدث عنها هنا، لكن الفكرة أن هناك مستثمرين يرغبون في إطالة مدة الحصول على العوائد الدورية، مثل تلك الجهات التي لديها التزامات طويلة المدى، وبالمقابل هناك مستثمرون يرغبون في إطالة أمد محفظة السندات بسبب تأثير ذلك في أسعار السندات، على سبيل المثال إذا كان متوسط عمر السندات في المحفظة يساوي أربعة أعوام بحسب مقياس "ماكاولي" أو 4 في المائة بحسب مقياس الأمد المعدل، فهذا يعني أنه عندما ترتفع أسعار الفائدة 1 في المائة فإن أسعار السندات تنخفض 4 في المائة، والعكس صحيح، وذلك بسبب العلاقة العكسية بين أسعار السندات وعوائدها.

لذا فإن هدف أولئك المستثمرين الذين اشتروا سندات 100 عام من قبل صندوق الاستثمارات العامة هو إطالة أمد محافظ السندات الخاصة بهم، بحيث ترتفع أسعارها في حال انخفضت معدلات الفائدة في الأعوام المقبلة، لذا من الواضح أنهم يراهنون على انخفاض أسعار الفائدة، ليس بالأمر الهين أن تقوم جهة بإصدار سندات 100 عام لكون ذلك يتطلب تمتعها بثقة عالية من قبل المستثمرين، ومن جهة أخرى فإن ذلك يتطلب وجود سوق نشطة لتداول سنداتها، وليس صحيحا أنه يمكن جذب المستثمرين بمجرد رفع معدل الفائدة على السندات، لأن المخاطر المتعلقة بالسندات عديدة، وأهمها المخاطرة الائتمانية التي تعني عدم قدرة المصدر على دفع العوائد الدورية أو التأخر في دفعها، وكذلك مخاطر سعر الصرف إذا كانت السندات مسعرة بعملة محلية، إلى جانب مخاطرتي ارتفاع نسبة التضخم وتغير أسعار الفائدة.

هذه الأيام نجد أعلى نسبة عوائد على سندات عشرة أعوام سيادية من نصيب نيجيريا بمقدار 14 في المائة، ثم نزولا من ذلك إلى البرازيل وتركيا وروسيا والمكسيك والهند وإندونيسيا وبولندا وإيطاليا، ثم الولايات المتحدة بـ3.9 في المائةن لكن هناك دولا عوائد سندات عشرة أعوام لديها أقل من الولايات المتحدة، مثل بعض الدول الأوروبية والصين واليابان، بينما عوائد السندات السيادية السعودية قريبة جدا لعوائد سندات الخزينة الأمريكية بسبب ارتباط الريال بالدولار.

خلاصة القول، إن الإقبال على السندات طويلة الأمد يعتمد على عدة أمور، فالجهة المصدرة تقوم بذلك بهدف ضمان تكلفة تمويل متدنية، والسبب أنه في الأعوام الماضية، ما قبل 2021، لم يكن بالإمكان إصدار هكذا سندات لأن أسعار الفائدة كانت متدنية جدا ومن الصعب إصدار هذه السندات بأسعار فائدة معقولة، فعندما كانت معدلات الفائدة على السندات الأمريكية العشرية دون 1 في المائة، تعالت أصوات تنادي الحكومة الأمريكية باستغلال تلك الظروف لإصدار سندات 100 عام، وبالفعل كان هناك اهتمام من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، لكن يبدو أنه كان من الصعب التوصل إلى معدل فائدة معقول، فتم إلغاء فكرة إصدار سندات 100 عام الحكومية، من الدول التي أصدرت سندات 100 عام هناك الصين في التسعينيات الميلادية، والفلبين وأستراليا والمكسيك والأرجنتين، ومن الشركات هناك شركة ديزني وشركة كوكاكولا، مرة أخرى في الأغلب سبب شراء سندات 100 عام ليس من أجل الاستمرار في تحقيق عوائد لأعوام طويلة، لكون في كثير من الأحيان يملك المصدر حق استدعاء السندات بالقيمة الاسمية، فتنتفي الفائدة من ذلكن السبب الرئيس يعود إلى مفهوم duration الذي بسببه يقوم مدير المحفظة بإطالة أمد السندات للاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة لاحقا من خلال تحقيق أرباح عالية نتيجة ارتفاع أسعار السندات بشكل كبير.

ختاما، تحظى المملكة بمكانة ائتمانية عالية تمكنها من الاقتراض بعوائد منافسة وبعدة طرق وبعدة عملات، وذلك يشمل عدة أذرع حكومية وشبه حكومية مثل صندوق الاستثمارات العامة وشركة أرامكو، بحسب آخر البيانات، حصلت المملكة على تصنيفات ائتمانية عالية من قبل أكبر وكالات التصنيف العالمية، وهي A من قبل فيتش، وA1 من قبل موديز، وA- من قبل ستاندرد آند بورز.

 

نقلا عن الاقتصادية