ضوابط التمويل العقاري وتركيز الدعم السكني

22/02/2023 0
عبد الحميد العمري

بدأ العمل مطلع الأسبوع الجاري ببرنامج الدعم السكني المحدث، الذي حمل صيغة أكثر تركيزا على ذوي الدخل المتدني تبدأ من راتب شهري يبلغ 3.0 آلاف ريال، بدعم شهري مباشر يصل إلى 1350 ريالا "45 في المائة من الراتب"،  ويصل إجماليه خلال 20 عاما التي تمثل الفترة الكاملة للدعم إلى 324 ألف ريال، ثم يتناقص الدعم السكني مع كل ارتفاع لراتب المستفيد، إلى أن يصل إلى نحو 100 ألف ريال عن الفترة الكاملة للدعم، جاء البرنامج المحدث كبديل عن البرنامج السابق الذي كان يصل إجمالي دعمه طوال الفترة إلى 500 ألف ريال،  ودون النظر إلى مستوى دخل المستفيد. كما تضمن البرنامج المحدث خيارات عديدة أخرى، من أبرزها تقديم دعم مالي غير مسترد بمبلغ ثابت يبلغ 150 ألف ريال لمن رواتبهم أدنى من عشرة آلاف ريال شهريا، ونحو 100 ألف ريال لذوي الرواتب الأعلى من عشرة آلاف ريال شهريا حسبما تضمنته مصفوفة المنتجات المعتمدة من صندوق التنمية العقارية.

جاءت تلك التحولات في القطاع السكني وبرامج دعمه، ضمن مجموعة واسعة من التطورات الإيجابية التي شهدها القطاع أخيرا خلال أقل من شهر مضى، بدأت بتوجيه ولي العهد للشركة الوطنية للإسكان بتدشين ضاحيتي الفرسان والخزام "80 ألف وحدة سكن جديدة، على مساحة إجمالية 56 مليون متر مربع"، تستهدف خدمة نحو 400 ألف نسمة، ثم توجيهه لوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان بمنح القطاع السكني 100 مليون متر مربع من الأراضي في الرياض، والمدن الأخرى التي تشهد ارتفاعا في أسعار الأراضي والعقارات "يقدر توفيرها لنحو 150 ألف وحدة سكنية جديدة"، ليصل إجمالي نتائج التوجيهين خلال هذه الفترة الوجيزة إلى نحو 230 ألف وحدة سكنية "يقدر إجمالي المستفيدين منها نحو 1.2 مليون نسمة، أي نحو 15.3 في المائة من إجمالي سكان الرياض".

أثمرت المرحلة السابقة 2019-2022 عن ارتفاع نسبة تملك المواطنين إلى أعلى من 60 في المائة، إلا أنها اقترنت بارتفاع قياسي لأسعار الأراضي والعقارات، فاقت مستوياته قدرة أغلبية الباحثين عن تملك مساكنهم، إضافة إلى تصاعد نسب الاستقطاع الشهري لسداد الالتزامات المالية المرتبطة بالتملك "تصل إلى 65 في المائة من الراتب الشهري"، التي أثقلت معيشيا كاهل رب الأسرة من جانب، ورفعت من جانب آخر من مخاطر تعثر عديد من المقترضين، وهو ما أشار إليه وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان بالتنسيق مع البنك المركزي السعودي، لأجل خفض نسبة الاستقطاع إلى 40 في المائة فما دون، ورغم أن تلك النسبة لا تزال أعلى من المعايير الدولية "تراوح بين 25 و33 في المائة من الراتب الشهري)، إلا أنها أفضل بالتأكيد من النسبة الراهنة 65 في المائة، وعلى أمل أن يتم خفضها في مراحل تالية لتستقر ضمن حدود المعايير الدولية.

طالما ناشد كثير من المهتمين والمختصين في المجال المالي والاقتصادي، أن يتم أخذ الجوانب أعلاه في وقت مبكر، قبل أن ينتج عنها ارتفاع كل من الأسعار السوقية للأراضي والعقارات، والقروض البنكية المقدمة للأفراد، التي بلغت وفقا لأحدث بيانات البنك المركزي السعودي بنهاية 2022 نحو 1.2 تريليون ريال "تتضمن جميع أنواع القروض المقدمة للأفراد"، شكلت نحو 56.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.

كما تم التأكيد طوال الفترة الماضية على أهمية تحفيز جانب العرض من الأراضي والمنتجات العقارية، بما يتواءم مع التسهيلات الكبيرة في جانب الطلب من خلال الائتمان البنكي، بدءا من زيادة كفاءة نظام الرسوم على الأراضي، والعمل على معالجة ضعف آلية تحصيل الرسوم المقررة على ملاك الأراضي، باعتماد تقييمها على أسعارها السوقية، بدلا من احتسابها بناء على ناتج تقييمها وفق تلك الآلية، التي جاءت أدنى من قيمتها السوقية بنسبة كبيرة، ما أدى إلى ضعف تأثيرها في ملاك الأراضي، في الوقت ذاته الذي تسارع نمو أسعارها السوقية بمعدلات مطردة، دفعت بالملاك نحو استمرار تملك الأراضي، عوضا عن الاستجابة لأهداف نظام الرسوم على الأراضي.

إجمالا، يتوقع أن تنعكس تلك التطورات الإيجابية الأخيرة إيجابيا على السوق العقارية، فتسهم في الخروج بها من حالة الركود التي تمر بها منذ تسعة أشهر ماضية، وأن يكتمل تنفيذها على أرض الواقع خاصة فيما يتعلق بخفض نسبة الاستقطاع الشهري، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لمن سبق لهم الاقتراض، ويواجهون تحدي ارتفاع تلك النسبة عليهم. ويمكن بلورة تلك التطورات والإجراءات المهمة، سواء تلك التي بدأت فعليا أو التي ينتظر إقرارها قريبا فيما يلي:

أولا، خفض نسبة الاستقطاع الشهري إلى 40 في المائة، والاستعداد لخفضها إلى المستويات المتوافقة مع المعايير الدولية "بين 25 و33 في المائة من الراتب الشهري"، وهو ما تقع مسؤولية تحقيقه على البنك المركزي السعودي.

ثانيا، زيادة العرض من الأراضي والمنتجات السكنية، تنفيذا لتوجيهات ولي العهد للأجهزة المعنية، والاستمرار في هذا الاتجاه بوتيرة أسرع وأكبر خلال الفترة المقبلة.

ثالثا، الانتقال الإيجابي إلى خطوة الدعم السكني الأكثر تركيزا على الفئات المستفيدة ذات الأجور المتدنية. رابعا، رفع كفاءة تحصيل الرسوم المفروضة على الأراضي البيضاء "خام، مطورة" في المدن الرئيسة، بالاعتماد على أسعار السوق الجارية للأراضي المكلف ملاكها بدفع الرسوم، عوضا عن الآلية الراهنة التي تحتسبها على أسعار أدنى بنسبة كبيرة مقارنة بالأسعار السوقية، وهو ما سيعزز التوجه العام الذي يستهدف زيادة عرض الأراضي بالقدر المكافئ لحجم الطلب المتنامي، وبما يتواءم مع متطلبات المشاريع التنموية العملاقة التي أعلنت في المدن الرئيسة وبقية مناطق المملكة، إضافة إلى ما سيتم إعلانه خلال الفترات الزمنية المقبلة، ضمن المبادرات والبرامج الطموحة لرؤية المملكة 2030. والله ولي التوفيق.

 

نقلا عن الاقتصادية