تُدرك القيادة السعودية من أعلى المستويات إلى أدناها أهمية توطين الوظائف (السعودة)، وذلك منذ الطفرة البترولية في منتصف السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، حيث جعلتها أهمية قصوى، آنذاك ولا تزال حتى اليوم، في ظل رؤية المملكة 2030، ضمن الأهداف الإستراتيجية السامية، لكنها واجهت ولا تزال تواجه تحديات على مستوى القطاع الخاص؛ لأسباب عديدة منها ما هو مبرَّر وغير مبرَّر.
الحقيقة أن القطاع الخاص يعتمد كثيرًا ومنذ زمن طويل على العمالة الوافدة اعتقادًا منه أنها منخفضة التكلفة ومؤهَّلة ومنتجة، لكن الملاحظات الميدانية أثبتت عدم صحة هذا الاعتقاد المضلل والسائد بين أرباب الأعمال والمدراء في بعض شركات القطاع الخاص.
لقد تطورت إمكانيات القوى العاملة السعودية كثيرًا في العقود الثلاثة الأخيرة في مجالَي التعليم والتدريب؛ ما يؤكد أهمية التحوُّل في الاعتماد على العنصر البشري الوافد إلى العنصر البشري المحلي الوطني.
التحديات التي تواجه الموارد البشرية السعودية في التوطين لا تقتصر عليها فقط، من حيث تطوير المهارات والقدرات والمعرفة، وقيم العمل، إنما تشمل متغيّرات أخرى خارج سيطرتها، مثل النمط القيادي، والتحفيز، ومساهمة القطاع الخاص وبعض مراكز التأهيل في تطوير كفاءتها التأهيلية، وخطة التأهيل ومحتواها ونوعها وجودتها.
إن إلقاء اللوم على الموظف السعودي الذي على رأس العمل أو الباحث عن العمل ليس الحل في توطين الوظائف، كما نسمع من بعض ملاك ومدراء مؤسسات وشركات القطاع الخاص، عندما تواجههم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالتقصير في التوطين.
ومن الأهمية تغيير الصورة النمطية عن الموظف السعودي بأنه غير مُنتِج وغير ملتزم بالعمل، وكسول ومتقاعس عن العمل، وما إلى ذلك من قائمة الاتهامات والحجج الواهية التي تُكيلها معظم شركات القطاع الخاص للسعوديين الباحثين عن العمل، والموظفين على رأس العمل.
الحقيقة تفيد أن السعوديين هم مَن صنع عملاق الطاقة «أرامكو السعودية»، وعملاق البتروكيماويات «سابك»، وغيرهما من الشركات العملاقة في المملكة، وذلك لتهيئتهما بيئة العمل المناسبة من النواحي المالية والإدارية والقيادية والقانونية والتدريبية والمعنوية والمعلوماتية؛ لذلك أنتجوا وأبدعوا وتميّزوا وأخلصوا في أداء وظائفهم.
إن استبدال شرط السعودة (التوطين) في الشركات مقابل رسوم مالية غير مشجّع على توطين الوظائف، بل يعتبره المتخصصون في الموارد البشرية والاقتصاد والمالية محفزًا للكثير من الشركات للتهرب من مسؤوليتها الوطنية في توظيف المواطنين، خاصة تلك الشركات التي تسيطر على إداراتها أسطورة ذم الموظف السعودي.
يعني التوطين توظيف المؤهلين بالقدرات والمهارات، وقيم العمل وأخلاقيات المهنة بدرجة كافية تساعدهم على الإنجاز ومستوى الكفاءة الإنتاجية والميزة التنافسية.
التدريب النوعي المستمر ضروري لتطوير الموظفين لمواكبة التغيّرات المؤثرة فيها، وربما تحد من قدرتها على الاستدامة والمنافسة.
ويمكن تصنيف التحديات التي تواجه توطين الوظائف في القطاع الخاص إلى داخلية وخارجية. ويمكن إدارة بعض التحديات الداخلية مثل القدرات الذهنية والجسدية والمهارات والقيم والقدرات العملية مثل الإنتاج والتسويق والمحاسبة، بينما بعضها يحتاج للدعم الحكومي، مثل التمويل والتدريب. لا تستطيع الشركات التحكم في التحديات الخارجية مثل المنافسة والسياسات الحكومية والموردين والمتغيّرات العالمية.
بالطبع للبيئة الخارجية دور كبير في التوطين. الفهم الصحيح من قبل ملاك ومدراء الشركات لمفهوم التوطين جزء مهم لاستيعاب المصطلح والسياسة التي تستهدف إحلال العمالة الوافدة بمواطنين مهيئين لشغل الوظائف، بالرغم من أن المملكة أصبحت سوقًا للعمالة المتنوعة في الكثير من الخصائص، مثل الخبرة والتخصص والثقافة والعرقية والجنسية.
الخلاصة: أطراف نجاح سياسة توطين الوظائف ذات جوانب كثيرة مثل المتقدم للتوظيف، ووزارة الموارد البشرية، والقطاع الخاص بما فيه من مؤسسات وشركات التأهيل مثل التدريب. التكاتف بين جميع الأطراف مطلب رئيس لنجاح التوطين وخفض نسبة البطالة.
نقلا عن اليوم