أثبتت التقنيات الحديثة بأنها سلاح ذو حدين، فبالرغم من تسهيلها للتعاملات اليومية للأفراد وللمؤسسات التجارية بأنواعها المالية وغير المالية، بما في ذلك المؤسسات والجهات الحكومية، إلا أنها -وللأسف الشديد- استغلت من ضعاف النفوس المحتالين لتنفيذ عملياتهم الاحتيالية للإيقاع بضحاياهم في براثن الاحتيال المالي والمصرفي، بمقالات سابقة عَرفت الاحتيال المالي على أنه ممارسة غير سوية تنطوي على التضليل والتزوير للحقائق والوقائع بهدف الاحتيال الحصول على الأموال بطريقة غير مشروعة، وعرفتها أيضاً على أنها عمليات تزييف للحقائق بهدف خداع الآخرين وتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة، دون أدنى شك، بأن استخدام التقنيات الحديثة قد ساعد المحتالين على ارتكاب جرائمهم الاحتيالية، من خلال ممارسة العديد من عمليات الحيل والخداع، التي من بين أبرزها وأشهرها سرقة المعلومات الشخصية والبيانات البنكية الخاصة بعملاء البنوك، وبالذات الرقم السري للمرة الواحدة لتنفيذ عملية احتيالية أو من خلال سرقة البطاقات البنكية، وبالذات بطاقات الصراف الالي والبطاقات الائتمانية واستنساخ معلوماتها المخزنة بالشريط الممغنط بواسطة قارئات خاصة تعمل بنظام GSM لإرسال النسخ المشفرة للمحتال.
كشفت دراسة علمية أعدتها جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالتعاون مع منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول)، عن حجم جرائم الاحتيال المالي الموجه حاليًا للدول العربية عبر الإنترنت بأن هناك خمسة أنواع من جرائم الاحتيال المالي الأكثر شيوعًا عربيًا يستخدم فيها المحتالون 24 أسلوبًا إجراميًّا للوصول لضحاياهم، وأوضحت الدراسة ايضاً المعنونة بـ (دور المؤسسات المالية في الحد من الجرائم المعلوماتية) والصادرة بمطلع يناير 2022 أن عدد الزيارات اليومية لضحايا محتملين لخمس مئة وثلاثة موقع إلكترونية تضمنت لإعلانات احتيالية، بلغ أكثر من 137 ألف زيارة، وتصدرت عمليات الاحتيال خمس طرق احتيالية، شملت مجال الاستثمار، والبريد الإلكتروني للأعمال، والاحتيال الرومانسي عبر الرسائل النصية، إضافة إلى أسلوب الابتزاز الجنسي، المملكة العربية السعودية تنبهت للإشكاليات التي تتسبب فيها عمليات الاحتيال المالي، وأصدرت تبعاً لذلك نظاماً لمكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة، تضمن لعقوبات لمن استولى على مال للغير دون وجه حق، وكذلك لمن حرض غيره على ارتكاب الجرائم المنصوص عليها بالنظام، كما حدد النظام عقوبة مالية لمن شرع في القيام بالجرائم المنصوص عليها بالنظام، بما في ذلك مصادرة الأدوات والآلات والمتحصلات المتحققة من ارتكاب الجرائم وكذلك عقوبة التشهير.
البنك المركزي السعودي (ساما) لم يكن غائباً عن المجهودات التي تقوم بها الجهات الحكومية، والتي من بينها: هيئة السوق المالية واللجنة الدائمة للتوعية والتحذير من نشاط الفوركس غير المرخص، وغيرها من الجهات، حيث قد قام البنك المركزي بالعديد من الجهود والمبادرات الرامية لمكافحة عمليات الاحتيال المالي، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ توجيه البنوك التجارية العاملة بالمملكة عند إجراء العميل لعمليات مالية الكترونياً، تزويده بأكثر من رقم سري للمرة الواحدة One Time Password-OTP للعملية الواحدة، إضافة إلى إطلاقه لحملة توعوية بنماذج منوعة وأساليب وأنماط مختلفة للاحتيال المالي وسبل الوقاية تحت عنوان: خلك حريص وفكر مرتين، كما وقد دشن محافظ البنك المركزي السعودي الدكتور فهد بن عبدالله المبارك مركز العمليات المشتركة للبنوك السعودية، الذي يُعنى بمتابعة حالات الاحتيال المالي ورصدها والتي قد يتعرض لها عملاء البنوك، رغم جهود ساما المبذولة في مكافحة الاحتيال المصرفي والتي أثمرت في انخفاض معدلات الاحتيال بالمملكة، إلا أن ساما لن يهدأ لها بال حتى تقضي على الاحتيال المصرفي تماما، بهدف المحافظة على الاستقرار المالي واستمرارية تعزيز ثقة المودعين بالبنوك التجارية.
برأيي أيضاً أن توظيف البنوك لتقنيات الذكاء الاصطناعي، قد يكون عاملاً مساعداً للكشف عن عمليات الاحتيال المصرفي المشبوهة وسرعة تداركها، وكذلك تتبع وتحليل سلوك العميلة المصرفية وأنماطها قبل تنفيذها ومدى انسجامها مع طبيعة الحساب وحركة عملياته المعتادة، بما في ذلك توقيت تنفيذ العمليات واتجاهاتها، يُعد أمراً مهما للغاية للكشف عن عمليات الاحتيال المحتملة والتصدي لها، وأخيراً لعل استخدام تقنية Whistleblowing للتنبيه عن عمليات الاحتيال المصرفي قد يكون أمراً فعلاً للكشف عن عمليات الاحتيال المصرفي وسرعة تداركها كونها تقنية فعالة تستخدمها الجهات المالية للكشف عمليات غسل الأموال المشتبه بها.
نقلا عن الرياض