الاحتكار في أسواق السلع والخدمات وغيرها من المنتجات حالة تسيطر فيها شركة واحدة أو مجموعة صغيرة من الشركات الكبيرة الاحتكارية المنسقة فيما بينها، وذلك للسيطرة على السوق من حيث العرض والطلب؛ بهدف التحكم في السعر ومنع منافسين جدد من الدخول إلى السوق بطريقة غير نظامية؛ للحد من المنافسة العادلة. إذا كانت في السوق شركة واحدة ذات توجّه احتكاري فإنه من الواضح أن الاحتكار سيحدث ضد المستهلك الذي ليست لديه خيارات أخرى، وبالتالي سيكون السعر لمصلحة الشركة (البائع) على حساب القدرة الشرائية للمشتري، وبما أن متطلبات الحياة والعيش تغيّرت في عصرنا هذا فإن مفهوم الاحتكار أصبح أشمل من حيث الضرر على المستهلكين الذين يستغل المحتكر حاجتهم بالتحكم في العرض في حال الطلب المتزايد لكي يرفع السعر لتعظيم الأرباح.
الأصل في الصناعة والتجارة ألا يُحصر إنتاج أو بيع سلعة أو خدمة معينة بشخص واحد بعينه أو شركة واحدة بعينها أو مجموعة صغيرة من الشركات أو وكيل حصري، فإن حصر إنتاجها أو وكالتها أو بيعها بواسطة أشخاص معينين أو شركات معينة لسبب من الأسباب يُعد الاحتكار بعينه، فالواجب أن تسعّر عليهم، فلا يبيعون ولا يشترون إلا بثمن المثل. إذا جمع شخص أو شركة سلعًا من السوق، وامتنع أو امتنعت عن بيعها رغم حاجة الناس لها، فإنه لولي الأمر أو مَن يفوّضه أن يجبر البائع على بيع ما احتكره بثمن المثل وبأرباح معقولة.
لقد عانى المحتاجون من خدمة الاتصال قبل أقل من عقدين من الاحتكار في سوق الاتصالات لمدة طويلة، حيث كانت أسعار المكالمات أربعة أضعاف ما هي عليه اليوم، وبجودة متدنية، لكن الحكومة الرشيدة تبنّت سياسة حكيمة بخصخصة قطاع الاتصالات، ورخّصت لشركات اتصالات خليجية لممارسة العمل في هذا القطاع الذي يلامس حياة الناس؛ ما أدى إلى انخفاض الأسعار وتحسّن نسبي في جودة الخدمات المقدمة للزبائن.
أما قطاع الاستقدام، فمشكلته كبيرة في الاحتكار الذي ضاعف تكلفة الاستقدام على المحتاجين للخدمة بحوالي ستة أضعاف من خمسة آلاف ريال إلى ثلاثين ألف ريال، وربما تصل التكلفة إلى خمسة وثلاثين ألف ريال. لا تزال مشكلة الاستقدام قائمة بسبب الاحتكار حتى كتابة هذه السطور. احتكار الشركة الكبيرة للاستقدام من بعض الدول لا يزال قائمًا من خلال اتفاقيات حصرية موثقة في عقودها؛ ما جعل تكلفة الاستقدام عالية بموجب الاتفاقية الاحتكارية المبرمة بين تلك الشركة الكبيرة والطرف الأجنبي من شركات أو اتحادات القوى العمالية في دول الاستقدام.
تبعات وانعكاسات الاحتكار كثيرة على الاقتصاد والمستهلك والصناعات المحلية والمنافسة العادلة والمستدامة والشفافية وجودة السلع والخدمات والكفاءة الإنتاجية والقيمة المضافة وإجمالي الناتج المحلي. العلاقة بين الاحتكار وكل من الجودة والأسعار سلبية وعكسية، أي أن الاحتكار يزيد من الأسعار ويضعف الجودة، بل يضعف إجمالي الناتج المحلي لقلة عدد الشركات في القطاع الاقتصادي. الاحتكار ينعكس على سمعة الدولة فلا يساهم في توسع الشركات الأجنبية في السوق المحتكرة خوفًا من الخسائر جراء حرب الأسعار.
وفي الختام لابد من فك الاحتكار في قطاعات عديدة أهمها قطاع الاستقدام، وذلك بإعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة بين الشركات السعودية المتخصصة في الاستقدام والأطراف الأجنبية استنادًا إلى أنظمة ولوائح تجرم وتغرم المحتكر لحماية الاقتصاد الوطني من الاحتكار وتبعاته السلبية على الفرد والاقتصاد بأكمله.
ومن الأهمية أن تقوم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بمفاوضات الاستقدام المباشرة مع دول العمالة، وذلك بفريق متخصص في الوزارة بعيدًا عن الشركات الكبيرة المحتكرة للاستقدام. أما وزارة التجارة والاستثمار فأرى أنها لا ترخص للوكيل الحصري.
نقلا عن اليوم