العائد المطلوب يحدد نوع الاستثمار

01/01/2023 0
د. فهد الحويماني

معرفة طبيعة العائد المطلوب على الاستثمار أمر في غاية الأهمية، وواجب على المستثمر إدراك ما يعنيه العائد المطلوب الخاص به، وكيفية الاستفادة منه عند اختيار الاستثمار المناسب. فلو كان لديك مبلغ مليون ريال وقام أحد بتقديم عرض لك حيث يأخذ منك المليون ريال الآن، ويمنحك أرباحا بمقدار 50 ألف ريال سنويا إلى الأبد، فهل تقبل هذا العرض؟

هنا سنكتشف معنى العائد المطلوب لأن الجواب يعتمد على نسبة العائد المطلوب لكل شخص، أي إنه لا يوجد هناك جواب قطعي مناسب لجميع الناس، فلكل شخص عائد مطلوب خاص به.

مبدئيا من الواضح أنه بعد 20 عاما سيسترجع الشخص المليون ريال، 50 ألف ريال ضرب 20 عاما، لكن كيف للشخص أن يعرف هل هذا العرض مناسب أم لا؟

عادة نحتاج إلى إجراء بعض الحسابات المالية المعقدة، لكن هنا الطريقة بسيطة جدا بسبب نموذج معروف يسمى نموذج "جوردن"، نسبة إلى الشخص الذي توصل إلى هذه النتيجة، ويتم ذلك بقسمة الربح الموزع على العائد المطلوب للحصول على القيمة الحالية للمبلغ، فمثلا لو أن عائدك المطلوب 10 في المائة، فستكون قيمة العرض بالنسبة إليك تساوي 500 ألف ريال، أي: بقسمة 50 ألف ريال على 0.10. ماذا يعني قبول العرض في هذه الحالة؟

هذا يعني أنك ترضى بتسليم مليون ريال اليوم مقابل استثمار قيمته الحالية فقط 500 ألف ريال، لذا لن ترضى بذلك وستبحث عن عرض أفضل. ماذا لو أن العائد المطلوب الخاص بك كان 5 بدلا من 10 في المائة؟

في هذه الحالة ستكون القيمة الحالية للعرض مليون ريال، 50 ألف ريال تقسيم 5 في المائة، وبذلك فقيمة العرض مساوية لرأسمالك ولا يوجد فرق بين الخيارين، لكن ستبدأ بقبول العرض كلما كان عائدك المطلوب أقل من 5 في المائة. وهذا في الواقع ما يحصل في عالم الاستثمار كل يوم، فالناس يتفاوتون في مقدار العائد المطلوب من قبل كل شخص، وبالتالي هناك تفاوت في اختيار الوسيلة المالية المناسبة.

الأمر الآخر، إن مقدار العائد المطلوب من قبل الشخص ليس ثابتا، فقد يكون الآن 9 في المائة، لكنه كان 6 في المائة العام الماضي، وقد يصبح 11 في المائة العام المقبل، ويتحدد ذلك حسب معطيات معينة، منها ما يعرف بنسبة العائد الخالي من المخاطرة. ورغم أن هناك طرقا لحساب العائد المطلوب حسب التدفقات النقدية ونموها المتوقع وطول المدة وما إلى ذلك، إلا أنها جميعا تشترك في كونها تعتمد على العائد الخالي من المخاطرة، وهو العائد الممكن الحصول عليه من قبل جهة كبيرة وموثوقة، كالحكومة أو البنوك القوية.

لذا فالعائد المطلوب لشخص ما قد يحسب بإضافة علاوة مخاطرة إلى العائد الخالي من المخاطرة، مثلا بإضافة 4 في المائة إلى العائد الخالي من المخاطرة، ولشخص آخر قد يكون بإضافة 8 في المائة، ولشخص آخر قد يكون العائد المطلوب هو نفسه العائد الخالي من المخاطرة. وبحكم أن معدلات الفائدة ارتفعت هذا العام بسبب ارتفاع نسب التضخم حول العالم، فأصبح على سبيل المثال معدل الفائدة بين البنوك التجارية أكثر من 5 في المائة، لذا فإن العائد المطلوب لكل شخص قد ارتفع كذلك هذا العام.

لو أخذنا أحد الصكوك التي تم طرحها هذا العام كمثال، وهي صكوك مصرف الراجحي، فسنجد أن طريقة حسابها شبيهة جدا بلغز المليون ريال الذي بدأنا به المقالة، فبهذه الحالة المصرف يأخذ من المستثمر مبلغ ألف ريال مقابل دفع أرباح بمقدار 55 ريالا مدى الحياة. هذا بالضبط ما تم عرضه من قبل المصرف ووجد قبولا كبيرا من قبل المستثمرين، حيث كانت الصكوك التي تم إصدارها أبدية ليس لها تاريخ استحقاق كالصكوك الأخرى، بمعنى أنه لا يوجد هناك تاريخ لإعادة مبلغ الاستثمار إلى المستثمر. وبذلك فإن نموذج "جوردن" ينطبق على هذه الصكوك، ونستطيع حساب العائد المطلوب المفترض في هذه الحالة، وهو يساوي 55 ريالا تقسيم 5.5 في المائة، أي: ألف ريال، وهو سعر الصك الذي تم الإصدار بناء عليه.

الاستثمار في هذه الصكوك يعني أن العائد المطلوب لمن استثمر فيها يساوي 5.5 في المائة، وأما من عائده المطلوب أعلى من ذلك فلن يقبل بها ويفترض أنه توجه إلى وسيلة أخرى تتوافق مع عائده المطلوب، فقد يقوم بالنظر إلى العوائد الممكنة من خلال الأسهم أو السندات أو العقار أو الذهب أو حتى ممارسة النشاطات التجارية المختلفة، ومن ثم مقارنة ذلك بالعائد المطلوب من قبله. هنا نكتفي بالحديث عن توقعات العوائد للأسهم للأعوام العشرة المقبلة وذلك بالاستعانة بتقديرات مجموعة "شواب"، وهي واحدة من أكبر المؤسسات العالمية التي تدير أصولا بأكثر من سبعة تريليونات دولار.

بحسب "شواب"، متوسط عوائد الأسهم الأمريكية السنوية، للشركات الكبيرة والصغيرة، للأعوام العشرة المقبلة، 6.4 في المائة، علما أن هذا العائد كان 10.4 في المائة من 1970 حتى تشرين الأول (أكتوبر) 2022، وهو يشمل التوزيعات النقدية والأرباح الرأسمالية. وبالنسبة إلى أسهم الشركات الدولية الكبرى يبلغ متوسط العائد التراكمي المتوقع طيلة الأعوام العشرة المقبلة 7.55. ويلاحظ من هذه الدراسة التغير الكبير في توقعات عوائد الأسهم للعقد المقبل مقارنة بالعوائد التاريخية، والسبب الرئيس يعود إلى توقعات انخفاض النمو الاقتصادي إلى 1.8 في المائة، مقارنة بـ2.6 في المائة منذ 1970 حتى الآن، إضافة إلى الارتفاع النسبي المتوقع في معدلات الفائدة.

العائد المطلوب خاص بكل شخص يحدده حسب شهيته نحو المخاطرة والفرص المتوافرة لديه واحتياجاته المالية الخاصة للأعوام المقبلة، ويتأثر هذا العائد بالتغيرات الاقتصادية والمالية من تضخم ومعدلات فائدة ونمو اقتصادي وغير ذلك. لذا يتجه الناس إلى وسائل استثمارية تتماشى مع العوائد المطلوبة الخاصة بهم، وهذا يفسر سبب قبول أو رفض عرض دفع مليون ريال مقابل 50 ألف ريال مدى الحياة.

 
 
نقلا عن الاقتصادية