المملكة العربية السعودية ليست بحديثة عهد في مجال استكشاف واستغلال الثروات المعدنية، حيث قد بدأت رحلة الاستكشاف والاستغلال منذ عام 1997 بتطوير وزارة البترول والثروة المعدنية آنذاك لاستراتيجية تُعنى بتطوير قطاع التعدين ما بين عامي 1996 و1997، للبحث عن الفرص المتاحة في قطاع التعدين، وتواصلت الجهود وصولاً إلى النقلة النوعية في القطاع التعديني بعد إطلاق رؤية المملكة 2030 في شهر إبريل 2016، والتي تستهدف تنويع القاعدة الاقتصادية في المملكة، وأن يكون التعدين الركيزة الثالثة للصناعة الوطنية.
إن رحلة تطوير قطاع التعدين في المملكة، لم تأت بمحض الصدفة، وإنما أتت نتيجة لعمل دؤوب سبقه تخطيط عميق ينسجم مع رؤية المملكة الطموحة 2030 ومستهدفاتها، خاصة وأن الرؤية اعتبرت أن قطاع التعدين مرتكز ثالث للصناعة الوطنية مع المرتكزين الآخرين، وهما النفط والبتروكيماويات.
فاليوم أصبح قطاع التعدين قادراً على الانطلاق نحو الهدف الأكبر، بأن تصبح المملكة لاعباً رئيساً في موثوقية ومرونة سلاسل إمداد التعدين حول العالم، كموثوقيتها في إمداد العالم بالطاقة الأحفورية وبالبتروكيماويات عبر عقود مضت من الزمن، منذ بدء رحلة التنقيب عن النفط في السعودية خلال حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي.
إن انطلاقة قطاع التعدين في المملكة نحو مرحلة جديدة من التطور والازدهار، تدعمه أسباب نجاح عديدة، لعل أهمها؛ أن قطاع التعدين، في مرحلته الحالية، يجري تطويره وتمكينه على قواعد علمية وخطوات عملية سليمة، لا يستغني عنها المستثمرون والمهتمون بمجال الاستثمار في التعدين على وجه العموم، حيث أن أولى هذه القواعد هي تلك التي تُعنى بجمع ونشر البيانات الجيولوجية من خلال مشاريع البرنامج العام للمسح الجيولوجي للحصول على البيانات الجيولوجية المتنوعة عالية الدقة لمنطقة الدرع العربي والتي تغطي مساحة تصل إلى 700 ألف كم2 من مساحة المملكة. ومثل هذه البيانات، إلى جانب كونها ضرورية لدعم القرارات المستقبلية الخاصة بالقطاع نفسه، إلا أنها في نفس الوقت تشجع وتحفز المستثمرين على الاستثمار، وتسرع وتسهل أيضاً من عملية اتخاذ القرار الاستثماري من جانبهم.
أما عن ثاني القواعد المهمة في انطلاقة قطاع التعدين الحالية، هي القواعد المرتبطة بالعمل والإصرار على إيجاد بيئة استثمارية جيدة، بعد اتخاذ مجموعة خطوات من بينها وأهمها؛ تعديل نظام الاستثمار التعديني واللوائح المنظمة لنشاط القطاع. وما يلفت النظر في هذا النظام هو أنه قد تم بناؤه على أسس ووفقاً لبيئة تشريعية وتنظيمية ملائمة ومتوائمة مع متطلبات المستثمرين، كفيلة بأن تجعل القطاع جاذبا للاستثمار وتعزز من شفافيته وإمكاناته الاستثمارية على المستويين المحلي والدولي.
وبالنسبة للقاعدة الثالثة، فقد ذكر معالي نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين، المهندس خالد المديفر، في أحد لقاءاته الإعلامية، من أن ثلث مواد ولوائح نظام الاستثمار التعديني تقريبا ترتبط بالبيئة والمجتمع والاستدامة والحوكمة والرقابة. والأهم من ذلك أن اللائحة التنفيذية للنظام تسعى إلى تحفيز شركات القطاع على تحمل مسؤوليات المشاركة المجتمعية، من خلال تعزيز دور القطاع في دعم مسارات التنمية بالمناطق المجاورة للمشروعات التعدينية، مثل توظيف أبنائها بتلك المشروعات، والرفع من نسبة عمليات الشراء من السوق المحلية.
أما عن القاعدة الرابعة، فهي ترتبط ببناء سلاسل القيمة المتكاملة في الصناعات التعدينية وتوفير الدعم وتقديم الحوافز المتنوعة للمستثمرين الذين يساهمون في تطوير قطاع معادن مستدام في المملكة بجميع مراحله (من المنجم إلى المستهلك)، حيث أن ذلك سيكون مربحاً للجانبين.
أخلص القول؛ بأن المملكة قد نجحت بامتياز في إرساء قواعد ريادتها وقيادتها المستحقة لقطاع التعدين بالمنطقة واقليمياً من إفريقيا وإلى غرب ووسط آسيا، وأنها بإذن الله مستقبلاً، ستعزز من قدرتها المرتبطة بتلبية الطلب المتزايد على المعادن، من خلال تعزيز قدراتها الاستثمارية في مجال التعدين وفقاً للاستراتيجية الوطنية للتعدين، ومن خلال أيضاً التوسع في صناعة المعادن الخضراء عن طريق الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، وإنشاء أسواق وطنية للمعادن الخضراء.
نقلا عن الرياض