صناعة السوق .. مضاربة نظامية

11/12/2022 1
د. فهد الحويماني

وافقت هيئة السوق المالية هذا الأسبوع على ممارسة العمل كصانع سوق في الأوراق المالية في المملكة، وصناعة السوق عبارة عن آلية منظمة يقوم فيها صانع السوق المرخص بمزاولة عمله اليومي المتمثل في إدخال أوامر بيع وشراء بكميات معينة طوال فترة التداول، بهدف رفع مستوى سيولة العرض والطلب.

كيف يعمل صانع السوق، وهل من حاجة إليه في السوق السعودية؟

ليست جميع الأسواق المالية لديها صناع سوق، بل معظمها أسواق مبنية على حركة أوامر البيع والشراء "أسواق أوامر"، وهناك أسواق تكتفي بعرض أفضل الأسعار "أسواق أسعار"، والسوق السعودية وكثير من الأسواق المالية تعد من نوع أسواق الأوامر التي تتميز بأنها تقوم بعرض جميع أوامر المتداولين بكمياتها وأسعارها المتعددة. أما أسواق عرض الأسعار بشكلها المطلق، فهي في الأغلب موجودة في أسواق العملات والسندات، وأسواق الأسهم الأمريكية وبعض الأسواق الأوروبية تعد أسواقا خليطة بحكم أن لديها صناع سوق، لكنها كذلك تعمل كأسواق أوامر على مستوى صناع السوق.

عندما تكون السيولة اليومية للسهم عالية جدا، فلا تكون هناك حاجة إلى تدخل صانع السوق، لكن في بعض الأسهم ضعيفة التداول أو حاليا في سوق المشتقات المالية في المملكة، هناك فائدة كبيرة من وجود صانع السوق، والسبب أن دونه قد تكون الأسعار غير منطقية أو مجحفة للبائع والمشتري، وهذا أمر مشاهد حتى في بعض الأسهم، حيث يكون الفارق بين سعري العرض والطلب كبيرا جدا. وفي غياب صانع السوق الملزم نظاما بالوقوف جاهزا لاستقبال طلبات البيع والشراء في جميع الأوقات، فإن هذه الفوارق تتقلص بشكل كبير.

عندما يكون صانع السوق معرضا لمخاطرة عالية بسبب ضعف السيولة، فعادة تقدم له تحفيزات مالية لتعويضه عن المخاطرة، فمثلا قد يعفى من دفع عمولة التداول أو جزء منها. كذلك للحد من المخاطرة التي يتعرض لها، فهو ملزم فقط بشراء وبيع كميات قليلة عند كل مستوى سعري. وفي الوقت نفسه يسمح لصانع السوق بالبيع على المكشوف في جميع الأوقات، بحيث يقوم ببيع أسهم ينوي شراءها لاحقا.

الحقيقة أن أي شخص يستطيع ممارسة عمل صانع السوق دون الحصول على ترخيص بذلك، لكون الفكرة الأساسية هي أن يقوم الشخص بمحاولة الشراء بسعر الطلب والبيع بسعر العرض، ليحقق ربحا بسيطا بمقدار الفارق بين هذين السعرين. لكن المشكلة أن هناك عمولة تداول عليه دفعها، وبحكم أنه لا يستطيع بيع أسهم ليست حاليا لديه، فهو لا يستطيع إدخال أمري بيع وشراء في الوقت نفسه، علاوة على أن أنظمة السوق لا تسمح بإدخال أمرين متعاكسين في الوقت نفسه.

ما يقوم به صانع السوق من عمل هو محاولة تحقيق ربح من فارق السعرين مع القبول بما ينتج عن ذلك من مخاطرة، لذا فإن أفضل الظروف لصانع السوق هو أن يكون هناك استقرار في سعر السهم، بحيث يصبح صانع السوق كتاجر يشتري الأسهم بسعر منخفض ويبيعها بسعر أعلى. يوجد في الأسواق الأمريكية عدد كبير من صناع السوق المتنافسين على ورقة مالية واحدة، يقدر متوسط عددهم بنحو 14 صانع سوق لكل سهم، ولذا فهناك سيولة عالية حتى في الأسهم عالية الشعبية.

الحاجة الماسة إلى صانع السوق في المملكة نجدها في سوق العقود المستقبلية التي تم إطلاقها قبل أكثر من عامين ولا تزال محدودة التداول اليومي. كذلك هناك شح في السيولة في سوق الصكوك، وبحكم أنه من المتوقع البدء بتداول عقود الخيارات قريبا، فسيكون لصانع السوق دور كبير في ذلك. حاليا يوجد لدينا صناع سوق في صناديق المؤشرات المتداولة، لكن طريقة عملهم تختلف عن الآلية الجديدة التي سيعمل بها صناع السوق. صانع السوق في صناديق المؤشرات يتمثل عمله في إدارة وحدات الصندوق، بحيث يستطيع تبديل وحدات الصندوق بأسهم أو العكس.

لكي ينجح عمل صانع السوق بحيث يستطيع توفير السيولة اللازمة وتقليص الفارق بين سعري العرض والطلب، كما هو متوقع منه، فلا بد من إعادة النظر في وحدات تغير الأسعار بالنسبة إلى الأسهم، التي حاليا تتدرج من هللة واحدة إلى 20 هللة للأسهم المسعرة بـ100 ريال وأكثر، وهذا بحد ذاته فارق كبير بين سعري العرض والطلب.

كذلك قد نحتاج إلى رفع حدود التذبذب اليومي البالغة حاليا 10 في المائة صعودا وهبوطا، وذلك لتمكين صانع السوق من التحرك بحرية أكثر مما هو ممكن حاليا. على سبيل المثال، كيف سيتصرف صانع السوق عندما يصل سعر السهم إلى الحد الأقصى خلال اليوم؟ حاليا في مثل هذه الحالة تكون كمية العرض صفرا بحكم أنه لا توجد أسهم معروضة للبيع، وفي الوقت نفسه تكون كمية الطلب عالية، وبالطبع لن يستطيع صانع السوق إدخال أوامر بيع من عنده لمواجهة كميات الشراء الكبيرة.

ما تقوم به هيئة السوق المالية، وشركة تداول السعودية، من خطوات كبيرة في سبيل تطوير السوق المالية وتنظيمها، أمر يستحق الإشادة، وهذه الخطوة الأخيرة في فتح المجال لممارسة عمل صناعة السوق، ستكون لها فائدة كبيرة في رفع السيولة اليومية، بالذات لبعض الأسهم والأوراق المالية الأخرى، وكذلك في كونها طريقة منظمة لتنظيم عمل المضاربة المحترفة لمن يرغب في ذلك من المتداولين.

 

 

نقلا عن الاقتصادية