أولا كمقدمة لا بد أن أشير إلى قرار مجموعة الدول السبع وأستراليا "يسمى تحالف سقف الأسعار".
في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) 2022 بشأن وضع سعر أقصى قدره 60 دولارا للبرميل للنفط الخام روسي المنشأ المنقول بحرا، علما أن مجموعة الدول السبع تضم الولايات المتحدة، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، والمملكة المتحدة، وهذا أتى بعد قرار بالإجماع من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبذلك فإن عدد الدول التي تنفذ القرار اليوم تتضمن جميع دول الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا واليابان وأستراليا، وهذا تحالف كبير جدا ومؤثر.
والسؤال التالي هو كيف سيتحقق لهم ذلك، إن أساسيات الاقتصاد تقول إن السعر يتحدد بالعرض والطلب، أو حتى بقوة الدولة سياديا في الدول ذات الاقتصاد الموجه على أساس أن الشركات أضعف من الدولة، لكن في وضع دولة مستقلة وقوية مثل روسيا، فكيف يتم فرض سعر عليها لا تبيع بغيره.
الإجابة عن السؤال تأتي بكون السؤال بهذا الشكل يعد خطأ ابتداء.
فالدول المتحالفة لم تفرض سعر بيع للنفط الروسي على روسيا، بل على السفن التي تحمل النفط الروسي، وهذه الشركات أضعف من دول التحالف بلا شك، والمعنى أن أي شركة يمكنها أن تنقل النفط من أي جهة في العالم بأي سعر، لكن لا يمكنها نقل النفط الروسي حتى تثبت أنه سيباع بـ60 دولارا، لكن كيف يمكن لدول التحالف أن تحقق ذلك، ببساطة المسألة تتعلق بسلاسل الإمداد، حيث ستقوم دول التحالف بحظر الخدمات التي تتيح النقل البحري، وكقاعدة عامة فإن كل شركات النقل البحري التابعة لدول التحالف، ستمتنع عن النقل ما لم يكن بالسعر المقرر أو أقل منه، وإذا انتهكت سفينة تابعة للتحالف هذا الحظر فستخضع إلى العواقب التي تتبع بموجب التشريعات الوطنية لكل دولة، لكن في حال قامت سفينة تحمل علم دولة ثالثة بنقل النفط الروسي بأعلى من الحد الأقصى للسعر، فسيحظر على جميع مزودي الخدمات من دول التحالف تأمين وتمويل وخدمة هذه السفينة لنقل النفط أو المنتجات البترولية الروسية، ولمدة 90 يوما بعد أن يتم تفريغها.
بهذا يتضح أن القرار هو وضع سعر أعلى للنفط الروسي في ظاهره لكن في أدواته هو منع تقديم الخدمات للسفن من قبل البائعين لهذه الخدمات. وقد بررت الدول المتحالفة هذا الأمر على أن الهدف من هذا الحظر هو فرض حصار أشد على الاقتصاد الروسي كنتيجة للحرب في أوكرانيا، فدول الاتحاد سبق وحظرت المنتجات الروسية، لكن دول التحالف تسعى إلى تشديد هذا الحصار من أجل فرضه على باقي دول العالم.
إذا فالقرار سياسي بحت، فكر به وقرره سياسيون ولا يبدو أن للاقتصاديين دورا في صناعة مثل هذا القرار، فهل يمكن أن تكون له آثار اقتصادية مختلفة.
سوق النفط، تعتمد على العرض والطلب، لكنها تتأثر أيضا بالتقلبات السياسية وبالنزاع في مناطق النفط، ومن الواضح من قرار سقف السعر، أنه لا يحاول التأثير في الإمدادات بقدر ما يحاول التأثير في اتجاهات هذه الإمدادات، لكن ردة الفعل الأولية لهذا القرار أتت من الأسواق التي ارتفعت أسعار النفط فيها، وتم تفسير ذلك بأنه القلق من تعطل الإمدادات العالمية في الأشهر المقبلة، ولهذا ما يبرره فعلا، فقد قالت روسيا إنها لن تقبل سقف الأسعار وهددت بوقف تصدير النفط إلى الدول التي تتبنى هذه الإجراءات، وأكدت مجموعة "أوبك +" أنها ملتزمة بسياستها لخفض الإنتاج لدعم الأسعار العالمية، وفي ظروف كهذه فإن الأسواق في الغالب قد تشهد شحا في الإمدادات، وقد ترتفع الأسعار، ما لم تخضع روسيا إلى هذا الشرط وتقبل سعر 60 دولارا من أجل استمرار تدفق الأموال إليها ودعم مجهودها الحربي.
ولن أقع في فخ التنبؤات لكن من المناسب مراقبة الاتجاهات المقبلة في هذا الاقتصاد السياسي، ذلك أنه من حيث المبدأ يمكن تطبيق هذه السياسات في قطاعات اقتصادية مختلفة، فيما لو نجحت دول التحالف في فرض الأسعار الجديدة على أسواق النفط العالمية. بمعنى آخر، إن نجاح هذه الممارسات في بيئات غاية في التعقيد قد تجعل تطبيقها في بيئات أخرى أسهل، ومن ذلك أسعار العقار التي قد تخرج عن السيطرة بأسباب ندرك بعضها، وبعضها الآخر غير مدرك تماما، ونظرا إلى المخاطر الجسيمة التي قد يضعنا فيها العقار فيما لو ارتفعت أسعاره عن مستويات معنية، فإن تطبيق مثل هذه السياسات القاسية، قد يكون حلا مثاليا لوقف ارتفاع الأسعار.
فماذا يحدث لو تم تحديد سقف لأسعار المتر في بعض المناطق، ثم منع الخدمات على أي مبايعة لا تلتزم بهذا السقف، ما الذي يمكن أن يحدث؟ هذا لا يعني توجيه كامل للأسعار، حيث يمكن أن تظل تتذبذب صعودا ونزولا، لكن دون السقف المحدد، فليس هناك تسعير نهائي وليست السوق موجهة بالكامل، لكن هناك حرية للتفاوض نزولا، أضف إلى ذلك أن مثل هذا الإجراء حمائي لمنع الاحتكارات وتحريك الأسواق للبيع وعدم منح فرص لتكوين الأرباح من خلال حجز الأراضي عن السوق، فكثير من أصحاب الثروات يحتجزون الأراضي داخل الأحياء حتى يصبح الحي مأهولا بالكامل ومن ثم تكون الأسعار في أعلى مستوى لها، فهم بذلك يحققون الثروات من خلال جهد غيرهم في بناء الحي وتنظيمه، ودون أدنى مسؤولية أو مشاركة منهم، لهذا ولأسباب كثيرة، فإن تطبيق هذه الاستراتيجية سيكون رادعا لمثل هذه الأساليب الانتهازية عموما، ومع ذلك فإن نتائج التجربة في سوق النفط قد تفتح شهية لا حدود لها في قطاعات عدة.
نقلا عن الاقتصادية
اعتقد انه من الخطاء مقارنة تسعير الاراضي داخل الاحياء السكنيه بالنفط واسقاط امكانية تجربة اسلوب تحديد الاسعار انما هي تسطيح لمشكلة اكتناز الاراضي فالاكتناز استثمار وتحوط ويجب ان يتم دراسة المشكلة بشكل اعمق ان كان يرى القارسء ان هناك مشكلة حقيقية في تسعير الاراضي!
ما هذا الخيال !؟ تقارن مادة إستهلاكية بعقار ثابت. على كل تجميد العقار وعدم إستثماره. يعنى تجميد عائداته بينما العائد المتداول يدر أرباحا فى كل دورة إستثمارية
اسعار متضخمه بسبب الاحتكار والدعم العشوائي