الجدل لا يترك الدولار

15/11/2022 4
فواز حمد الفواز

الكوفيد ومن ثم الحرب والنزاع التجاري بين الدول المؤثرة عوامل كافية لإثارة الجدل حول الدولار مرة أخرى. هذه العوامل وأخرى أدت إلى تزامن ارتفاع سعر صرف الدولار والتضخم، خاصة في ارتفاع السلع، وبالتالي ارتفاع نسب الفائدة، ظروف ومستجدات أعادت الدولار إلى دائرة الجدل بما في ذلك النزعات للبديل. أقول النزعات لأنه ليس هناك بديل في الأفق. أسعار الصرف في الأغلب نتيجة وأحيانا آلية لذلك لا بد من تحديد المنطلق كي يأخذ الحديث مجرى مقبولا. تغير سعر الصرف صمام للتكيف مع الحيثيات الاقتصادية والتجارية. مركزية الدولار تجعل التغيرات في سعره مقابل العملات الأخرى تنتج عنها مالية كلية مهمة للكل. في الـ40 عاما الماضية يسجل الدولار ارتفاعا معتبرا للمرة الثالثة. الأولى كانت في أول الثمانينيات إلى أن انتهت باتفاقية بلازا في 1985 في الأغلب بسبب انخفاض الين، والثانية كانت على أثر أزمة الدول الآسيوية في نهاية التسعينيات إلى أن وصل الدولار ذروة جديدة في 2002، والحالية. ربما جدير بالذكر أن الدولار لم يصل في هذه الموجة إلى مستوى الثمانينيات ولكنه قريب.

قبل الدخول في أسباب الارتفاع الأخير لا بد من ذكر ثلاثة أشكال لأهمية الدولار، الأول توظيف الدولار في الكمبيالات التجارية فأغلب السلع الرئيسة مثل النفط والقمح والغاز والمعادن تسعر بالدولار، الثاني احتياطيات النقد الأجنبي في البنوك المركزية والصناديق السيادية ما زال الدولار يشكل نحو 60 في المائة منها، والثالث الدولار طرف في تجارة العملات بأكثر من 80 في المائة من العمليات في نيسان (أبريل) الماضي وصل إلى 88 في المائة التي من أهمها سوق الاقتراض. الارتفاع الحالي لأنه صاحب ارتفاع أسعار السلع، خاصة في الطاقة، غير سلبيا التوازنات التجارية للدول المستوردة للطاقة مثل دول أوروبا الرئيسة واليابان وكوريا، تعديل في أسعار الصرف كي يرجع التوازن التجاري - سبب وآلية للتغير القادم. هناك عدة أسباب لارتفاع الدولار كما جاء في تقرير بنك التسويات الدولي في نشرته الأخيرة عن الدولار، الأول أن الظروف الحالية قادت إلى تعظيم مصلحة أمريكا التجارية مقابل اقتصادات دول اليورو واليابان كونها منتجا ومصدرا للوقود، خاصة الغاز والغذاء. استفادت أمريكا من الحرب والتضخم. والسبب الثاني اختلاف السياسات النقدية التي قادت أمريكا إلى رفع الفوائد بنسب لم تستطع أوروبا أو اليابان مجاراتها لأسباب تخص ظروفهم الموضوعية ماليا واقتصاديا. والعامل الثالث والأخير هو هاجس الأمان في حال الحرب وعدم اليقين. لهذه الأسباب الدولار مهم للجميع. هناك طبعا مستفيدون ومتضررون حسب نقطة البداية. هناك باب آخر لنقد منظومة الدولار يتمخض عن فقدان أمريكا مركزيتها الاقتصادية ومديونيتها الضخمة وبالتالي الثقة بالدولار، ولكن يصعب تحديد العلامات والمؤشرات لتغير كوني بهذا الحجم. المملكة من المستفيدين ولذلك لا تزال سياسة ربط الريال بالدولار تخدمنا، ولكن رب سائل: ما أهميته لنا؟ البعض يخلط بين ربط الريال بالدولار وسعر الصرف. الأول استراتيجي والآخر تكتيكي دون مبالغة في الفرق بينهما.

تسعير النفط أهم سلعة لدينا بالدولار وتسعير أغلب السلع التي نصدرها ونستوردها يكفي منطقيا للربط حتى في فترات انخفاض الدولار يصبح الاستقرار وتمكين التحولات الاقتصادية والإدارة المالية عاملا مهما جدا. لأن الاقتصاد الوطني ما زال ذا طابع مالي، فربما هناك فرصة تكتيكية لتوظيف سعر الصرف كأحد الأدوات المالية، ولكن لا بد أن تكون جزءا من حزمة سياسات مترابطة يكون جوهرها تحولا اقتصاديا عميقا يبدأ وينتهي بتفعيل دور وإنتاجية المواطن، إذ لا بد من تطابق مالي واقتصادي كي نحقق الأهداف بسلاسة. تحليليا لا بد للسياسات الاقتصادية والنقدية أن تراعي تطور سرعة النقود في المنظومة المالية وما يقابلها من سياسة المحتوى الوطني اقتصاديا.

 

 

نقلا عن الاقتصادية