الكوفيد ومن ثم الحرب والنزاع التجاري بين الدول المؤثرة عوامل كافية لإثارة الجدل حول الدولار مرة أخرى. هذه العوامل وأخرى أدت إلى تزامن ارتفاع سعر صرف الدولار والتضخم، خاصة في ارتفاع السلع، وبالتالي ارتفاع نسب الفائدة، ظروف ومستجدات أعادت الدولار إلى دائرة الجدل بما في ذلك النزعات للبديل. أقول النزعات لأنه ليس هناك بديل في الأفق. أسعار الصرف في الأغلب نتيجة وأحيانا آلية لذلك لا بد من تحديد المنطلق كي يأخذ الحديث مجرى مقبولا. تغير سعر الصرف صمام للتكيف مع الحيثيات الاقتصادية والتجارية. مركزية الدولار تجعل التغيرات في سعره مقابل العملات الأخرى تنتج عنها مالية كلية مهمة للكل. في الـ40 عاما الماضية يسجل الدولار ارتفاعا معتبرا للمرة الثالثة. الأولى كانت في أول الثمانينيات إلى أن انتهت باتفاقية بلازا في 1985 في الأغلب بسبب انخفاض الين، والثانية كانت على أثر أزمة الدول الآسيوية في نهاية التسعينيات إلى أن وصل الدولار ذروة جديدة في 2002، والحالية. ربما جدير بالذكر أن الدولار لم يصل في هذه الموجة إلى مستوى الثمانينيات ولكنه قريب.
قبل الدخول في أسباب الارتفاع الأخير لا بد من ذكر ثلاثة أشكال لأهمية الدولار، الأول توظيف الدولار في الكمبيالات التجارية فأغلب السلع الرئيسة مثل النفط والقمح والغاز والمعادن تسعر بالدولار، الثاني احتياطيات النقد الأجنبي في البنوك المركزية والصناديق السيادية ما زال الدولار يشكل نحو 60 في المائة منها، والثالث الدولار طرف في تجارة العملات بأكثر من 80 في المائة من العمليات في نيسان (أبريل) الماضي وصل إلى 88 في المائة التي من أهمها سوق الاقتراض. الارتفاع الحالي لأنه صاحب ارتفاع أسعار السلع، خاصة في الطاقة، غير سلبيا التوازنات التجارية للدول المستوردة للطاقة مثل دول أوروبا الرئيسة واليابان وكوريا، تعديل في أسعار الصرف كي يرجع التوازن التجاري - سبب وآلية للتغير القادم. هناك عدة أسباب لارتفاع الدولار كما جاء في تقرير بنك التسويات الدولي في نشرته الأخيرة عن الدولار، الأول أن الظروف الحالية قادت إلى تعظيم مصلحة أمريكا التجارية مقابل اقتصادات دول اليورو واليابان كونها منتجا ومصدرا للوقود، خاصة الغاز والغذاء. استفادت أمريكا من الحرب والتضخم. والسبب الثاني اختلاف السياسات النقدية التي قادت أمريكا إلى رفع الفوائد بنسب لم تستطع أوروبا أو اليابان مجاراتها لأسباب تخص ظروفهم الموضوعية ماليا واقتصاديا. والعامل الثالث والأخير هو هاجس الأمان في حال الحرب وعدم اليقين. لهذه الأسباب الدولار مهم للجميع. هناك طبعا مستفيدون ومتضررون حسب نقطة البداية. هناك باب آخر لنقد منظومة الدولار يتمخض عن فقدان أمريكا مركزيتها الاقتصادية ومديونيتها الضخمة وبالتالي الثقة بالدولار، ولكن يصعب تحديد العلامات والمؤشرات لتغير كوني بهذا الحجم. المملكة من المستفيدين ولذلك لا تزال سياسة ربط الريال بالدولار تخدمنا، ولكن رب سائل: ما أهميته لنا؟ البعض يخلط بين ربط الريال بالدولار وسعر الصرف. الأول استراتيجي والآخر تكتيكي دون مبالغة في الفرق بينهما.
تسعير النفط أهم سلعة لدينا بالدولار وتسعير أغلب السلع التي نصدرها ونستوردها يكفي منطقيا للربط حتى في فترات انخفاض الدولار يصبح الاستقرار وتمكين التحولات الاقتصادية والإدارة المالية عاملا مهما جدا. لأن الاقتصاد الوطني ما زال ذا طابع مالي، فربما هناك فرصة تكتيكية لتوظيف سعر الصرف كأحد الأدوات المالية، ولكن لا بد أن تكون جزءا من حزمة سياسات مترابطة يكون جوهرها تحولا اقتصاديا عميقا يبدأ وينتهي بتفعيل دور وإنتاجية المواطن، إذ لا بد من تطابق مالي واقتصادي كي نحقق الأهداف بسلاسة. تحليليا لا بد للسياسات الاقتصادية والنقدية أن تراعي تطور سرعة النقود في المنظومة المالية وما يقابلها من سياسة المحتوى الوطني اقتصاديا.
نقلا عن الاقتصادية
مقال جميل ومهم ...... لكن هذه الجزئية لا تفق معها ..." فرصة تكتيكية لتوظيف سعر الصرف كأحد الأدوات المالية، " . اعتقد ان السعوديين اخر شيء يريدون الاقتراب منه هو سعر الصرف ....لخطورة الاقتراب منه في بلد من بلدان الشرق الاوسط . لانه سيقود إلى الدولرة في الاقتصاد..وهذا ماجعل السياري يفاخر بانه احرق 2 مليار دولار لتاديب المضاربين على الريال في 28 سبتمبر 1998 في حين ان المركزي المصري خضع للمضاربين وتكلفت مصر عشرات اضعاف هذا الرقم . لا عتقد باننا بحاجة للاقتراب من سعر الصرف سيما وان النظام المالي لدينا متقدم . انظر كيف تم جزء كبير من التحرير السعري واستبدال دعم السلع إلى دعم الدخل عبر القنوات المالية السعودية المتقدمة " حساب المواطن " والذي يستحيل على دولة مثل مصر مجاراته ونسبة الشمول المالي لديها متدنية ....أيضا انظر كيف يتم بخطوات متسارعة تنشيط سوق السندات السعودي ليعطي المركزي في المستقبل طريقة لعمليات السوق المفتوح ...... لكن المشكلة على المدى الطويل للريال هو في احتمالية دخول الدولار في دورة تضخمية عالية نتيجة وصول مدينية الولايات المتحدة إلى اكثر من 130 % من الناتج المحلي .....فكيف سينعكس ذلك التضخم على الريال والاقتصاد المحلي .
تعليق قيم يا شاري راسي!
شكرا لك شاري راسي ، لم اوصي بالتغيير في العمود و لكن اردت توسيع دائرة الخيارات ، الاقتصاد في الاخير علم الخيارات و يهتم بالاولويات. حين تكون التكاليف الثابته في نمو متواصل في اقتصاد مالي الطابع لابد من التفكير في الاولويات لان القرار الحصيف استباقي. و كما ذكرت القرار المالي غير مفيد دون ما يقابله اقتصاديا، فلابد من الصوره الشامله للتقدير. اختلف في الخوف من الدولار لان التحولات الكونية في النظام تاخذ عقود طويله.
احسنت ياطويل العمر ....التكاليف الثابتة تم ايجاد حل لها وهو ضريبة الدخل دون الدخول في تكلفتها السياسية . يعني الدول تاخذ ضريبة الدخل لتنفق على التعليم والصحة والبنية التحتية وما إلى ذلك...هذا في السنين الغابرة ..الان التقنية الحديثة تمكن الدولة من اخذها بطريقة افضل واكثر كفاءة .ودون تكلفة سياسية ..وهي تحويل جميع خدمات الدولة إلى شركات مقدمة للخدمة مثل شركة الكهرباء تماما ...فسيكون هناك شركة للخدمات البلدية وستاخذ رسوم متدرجة من الاصول العقارية التي تستفيد من الخدمة ( ضريبة املاك ) ..1% من قيمة الاصل ( طبعا متدرجة حسب قيمة الاصل ) ...كذلك الخدمات الصحية ستكون شركات خدمات صحية وصرف تامين للمواطنين مع نسبة تحمل على المواطن حسب دخله ( من 5% إلى 100% من الخدمة ) حسب شريحة الدخل طبعا سيكون هناك صندوق اسمه جود الصحة لمساعدة المحتاج ...وبعض قطاعات التعليم ستكون كذلك خصوصا غير التعليم الاساسي ...ستم ابدال النظام الصلد الصلب Rigid System مع نظام مرن يستطيع توزيع الاعباء بطريقة مناسبة ومتدرجة حسب شريحة الدخل و عبر السنين والعقود وطبعا هناك حساب المواطن لمساعدة بعض الشرائح ......تماما كما تم في الكهرباء والماء والاسكان ....وبذلك تتخلص الدولة من التكاليف الثابتة وكذلك من النظام غير المرن للصرف الذي يعتمد على مداخيل النفط .....دون الدخول في تكاليف الضرائب المباشرة .......ليس لدي علم لكن هذه فقط قراءتي للتوجهات بناء على المعطيات الحالية ......والله اعلم من قبل ومن بعد .