اختصر معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية ومبعوث شؤون المناخ عادل الجبير مواقف الغرب حيال ملف التغير المناخي حين وصفها بالمتناقضة، وغير المبنية على المنطق أو أمور علمية. وهو وصف دقيق يعكس تعامل الغرب المتناقض مع أهم الملفات المؤثرة في التنمية والاقتصاد العالمي. فبالرغم من الإيمان التام بالتحديات المناخية، وأهمية معالجة التغير المناخي وفق رؤية علمية وإستراتيجية منضبطة، إلا أن تعامل الغرب معها لا يخلو من التناقض والانتهازية، وهو ما كشفته الحرب الروسية الأوكرانية.
انقلب الغرب على خططه المعلنة لمواجهة التغير المناخي، وعادوا إلى أكثر مصادر الطاقة تلويثاً للبيئة، وفشلوا في أول اختبار مواجهة مع تحديات الطاقة الأحفورية وشح الإمدادات. باتت مصالح الدول الغربية أكثر أهمية من التغير المناخي، وهو ما يرفع علامات استفهام كثيرة حول الهدف الحقيقي من اتفاقية المناخ، والتشريعات الدولية المراد تطبيقها على دول العالم، وهل كان هدفها الحد من التغيرات المناخية والانبعاثات الضارة، أم أن هناك أهدافاً مستترة يسعى الغرب لتنفيذها؟.
ففي الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة لتحقيق متطلبات الحد من انبعاثات الكربون، وتعلن معاداتها للدول المنتجة، وأوبك، فهي لا تتورع عن مطالبتها لهم بزيادة الإنتاج للتأثير على الأسعار. لم يخطيء الوزير الجبير في وصفه حوار التغير المناخي بأنه «مليء بالمشاعر والعواطف ويفتقد المنطق والعلم»، فالتحول السريع وغير المدروس نحو الطاقة النظيفة تسبب في انكشافها أمام أول أزمة حقيقية ومؤثرة على إمدادات النفط والغاز، ما أعادها لتشغيل محطات توليد الطاقة المعتمدة على الفحم. عودة دول أوروبا لاستخدام الفحم تحت ضغط تداعيات الحرب الروسية كشف عن تناقضهم الصارخ في التعامل مع ملف التغير المناخي، وتقديم مصالحهم على الشعارات البيئية التي انهارت أمام أول اختبار حقيقي على أرض الواقع.
فالفحم من أقذر مصادر الطاقة وتنبعث منه غازات دفيئة أكثر من النفط ما يتسبب في ارتفاع درجة حرارة المناخ عند حرقه، ومن المستغرب أن تعود الدول الأوروبية له، وتبادر لتقديم مساعدات لمنتجيه، ومنها ألمانيا التي أقرت حكومتها تشريعاً جديداً، سيسمح باستخدام 15 محطة طاقة تعمل بالفحم، كان من المقرر إيقافها هذا العام.
التحيز ضد النفط، والدول المنتجة بات يؤثر سلباً على نزاهة ملف التغير المناخي، ومتطلبات حماية البيئة، وهو ما يثير القلق، ويحد من ضخ استثمارات إضافية في قطاع الإنتاج ما قد يتسبب في أزمة إمدادت مستقبلاً، تضاف إلى الأزمات الجيوسياسية الحالية. وإذا ما أضفنا إلى ذلك محدودية الإنتاج من مصادر الطاقة النظيفة، وعدم قدرتها على تلبية الطلب المتنامي تصبح المخاطر مرتفعة. فالمؤشرات الأولية تشير إلى أن حجم الإنتاج الحالي لا يمكنه تلبية الطلب المتنامي مستقبلاً، كما أن نسبة زيادة الإنتاج في الطاقة الأحفورية قد تكون أقل من نسبة النمو المتوقع مستقبلاً، وهو أمر يفترض أن تتفهمه دول الغرب، وأن تعمل على معالجته وفق رؤية علمية، وبعدالة تامة وضامنة لمصالح المنتجين، منعاً لحدوث أزمة إمدادات مستقبلاً.
بالرغم من تناقض الغرب في تعامله مع قضية المناخ، وأهدافه المشبوهة، إلا أن تنمية الاقتصاد الأخضر بات من الأهداف الرئيسة للمملكة، ومن أجل ذلك أطلقت المبادرات المختلفة، ومنها مبادرات باستثمارات مالية تزيد على700 مليار ريال، ما يعني التوسع في الاستثمارات على جانبين الأول مرتبط بتعزيز مصادر الطاقة وبما يضمن استدامة الإمدادات واستقرار الأسواق، والثاني تنمية الاقتصاد الأخضر المعزز لحماية البيئة وصحة الإنسان، وللجهود الموجهه لتحقيق الحياد الكربوني على المدى البعيد. إنشاء أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر في العالم بقدرة 600 طن يومياً من المشروعات المهمة التي تقوم بها المملكة، إضافة إلى إنشاء أكبر مجمع بالعالم لالتقاط ثاني أكسيد الكربون في مدينة الجبيل الصناعية، وتنفيذ 13 مشروعاً جديداً في الطاقة المتجددة وباستثمارات 34 مليار ريال. مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر من أهم المبادرات العملية التي تؤكد عزم المملكة على تحقيق أهدافها البيئية والمساهمة الفاعلة في ملف التغير المناخي العالمي، ونهجها المتوازن في حماية البيئة وتحقيق الاستدامة وأمن الطاقة والرخاء الاقتصادي.
نقلا عن الجزيرة