تستوقفنا بعض التقارير التي تتحدث عن أعداد الزوار للمتاحف والمعارض الفنية في أوروبا أو أميركا وفي بعض الدول العربية التي لها تاريخ مديد في الإنتاج الفني وصناعة المعارض والمتاحف, فالأعداد بالملايين في تلك الدول ممن يزورون أي فعاليات بالفنون البصرية كالرسم والنحت وغيرها, فالتفاعل المجتمعي هو دليل على انتشار ثقافة فنية مهمة جداً, لأن فن الرسم بكل مدارسه وكذلك النحت يعد لغة حوار ناطقة من خلال الصورة والألوان وبصمة الفنان وتجسيده إما لتاريخ مكان ما أو حدث أو طبيعة أو توصيف لحالات مجتمعية وإنسانية يضعها في عمل واحد قد يوازي آلاف الكلمات كي تعبر عن ما وصفته هذه الأعمال, فانتشار الاهتمام بالفنون البصرية يعد عاملاً مهماً وصحياً لتعميق الارتباط بثقافة المحتمع وتاريخه وإرثه الحضاري مع بقية النشاطات الثقافية بالإضافة لمنافع عديدة لعل من أهمها الزيادة في نشاط القطاع الثقافي ورفع مساهمته بالناتج المحلي.
والمملكة تركز على تنمية الدور الاقتصادي لقطاع الثقافة كواحد من أهم مستهدفات رؤية 2030 ولأجل ذلك تم فصل الثقافة عن الإعلام بوزارة مستقلة وبعد ذلك تم تأسيس هيئات لكل فرع من فروع الثقافة ولعل من أهمها هيئة الفنون البصرية التي مضى على تأسيسها قرابة ثلاثة أعوام والتي تهدف برؤيتها إلى أن «تكون المملكة مركزاً إقليمياً للفنون البصرية يسعى إلى تشجيع المجتمع المحلي على تذوق الفن والاحتفاء به، وتوفير فرص فريدة لنموالمواهب المحلية، وتمكين الممارسين على مستوى عالمي بروح وطنية» فهذه الرؤية توضح أبعاد أسباب وجود الهيئة لتكون هي ذراع وزارة الثقافة في النهوض بالفنون البصرية وعند النظر في تقرير وزارة الثقافة للعام 2021 والذي يتضمن ما أنجزته الهيئات الثقافية التابعة للوزارة فإن هيئة الفنون البصرية اقتصرت إنجازاتها على إصدار دليل اقتناء الأعمال الفنية للجهات الحكومية وإقامة معرض في جدة والمشاركة بفعاليتين مع وزارة الرياضة وهيئة الفروسية إضافة لاعتماد استراتيجيتي الفنون البصرية والنموذج التشغيلي ومبادرة الفن في الأماكن العامة إضافة لتطوير دراسة مشروع معرض فن الرياض، كما أن لديها عشر مبادرات تتمحور حول نشر ثقافة الفن البصري ودعم الممتهنين واكتشاف الموهوبين ومبادرات متنوعة تخدم النشاط، فمما يتضح من التقرير أن النشاط عموماً المتعلق بكثافة انتشار المعارض ورعايتها بمختلف المناطق أو ماذا تحقق من كل مبادرة معتمدة غير موجود بالتقرير وقد يكون العام الماضي تأثر النشاط فيه بجائحة كورونا واحترازاتها لكن حتى في العام الحالي لم تظهر أي تقارير دورية توضح إنجازات الهيئة, فمهرجان شفت22 الذي اختتم قبل أيام واستمر لمدة 18 يوماً لم ينل نصيبه من الترويج حتى أن بعض من يتابعون الحركة الفنية لم يعلموا عنه شيئاً إلا بعد انتهائه رغم مدته الطويلة فهل من الممكن أن تعلن الهيئة عن عدد زوار المهرجان لأنه مقياس لمدى نجاحها في أحد أهدافها ألا وهو نشر ثقافة الفنون البصرية بالمجتمع فالرياض عاصمة الفن والتراث ويسكنها أكثر من سبعة ملايين نسمة فمهرجان بهذا الحجم لابد أن يحظى بزيارات جيدة له إذا تم الترويج له على نطاق واسع.
كما يظهر بالتقرير تطلعات خاصة بالهيئة تتمحور حول، أن تكون الفنون البصرية وسيلة للتعبير المجتمعي والتفاعلي فهل وضعت الآليات والسياسات لتحقيق هذا الهدف الذي يعد مشروعاً ضخماً يتطلب جهوداً كبيرة واستراتيجيات قابلة للتطبيق وعلى مدى زمني مناسب، فحتى المحور الثاني لتطلعات الهيئة بأن تكون الفنون البصرية أداة للحوار والمشاركة يعد تحدياً كبيراً لأنه يتطلب عملاً كثيفاً لنشر ثقافة الفنون البصرية والتعريف بها للمجتمع بمختلف الوسائل والأدوات وأهمها العلاقة مع قطاع التعليم أما التطلع الأخير وهو أن تكون الفنون البصرية محركاً للاقتصاد الإبداعي فهذا يحتاج إلى دعم واسع النطاق لتفعيل الحركة الفنية وإتاحة الفرصة لكل فنان إن يقدم أعماله بمعارض يمكنه أن يبيعها بالإضافة للعلاقة مع القطاع الخاص بالتعاون معه على إقامة المعارض والمشاركة بالفعاليات إضافة لتطوير الأنظمة الداعمة للقطاع الخاص بنشاط الفنون البصرية لأنهم الأكثر قدرة على التواجد الدائم بالسوق وهم جزء من تحقيق نمو الاقتصاد الإبداعي للفنون البصرية، فالوصول لكل أهداف الهيئة بما يندرج تحت أهداف رؤية 2030 يفترض أن تظهر الحوكمة داخل الهيئة أداءها بما انعكس على تحقيق رؤيتها ورسالتها وتطلعاتها إضافة لأهمية إصدار تقرير سنوي خاص بها يوضح تفاصيل ما تم إنجازه من مبادرات وكذلك المعارض والمهرجانات التي أقيمت بتفاصيل كاملة عنها وتوضيح عدد من زاروها وكذلك حصر كافة الموارد التي تتحقق من نشاط الفنون البصرية بالاقتصاد لقياس مدى نموه وزيادة الاهتمام المجتمعي فيها.
قياس أثر ما قدمته هيئة الفنون البصرية سواءً من أنظمة وكذلك المبادرات وما اعتمد لها من ميزانيات يعد عاملاً مهماً لتقييم ما أنجز من دورها ورسالتها وأهدافها وحجم انعكاسه على المجتمع من زيادة بانتشار الاهتمام بالفنون البصرية واقتنائها، فالهيئة تقود نشاطاً في غاية الأهمية لنشر الثقافة بالفنون البصرية محلياً وكذلك إيصال الثقافة والفن السعودي للعالم والتأسيس لصناعة مستدامة تحقق نمواً سنوياً بالاقتصاد الإبداعي وكذلك توطين الخدمات المساندة للنشاط والاعتماد على الخبرات الوطنية لتكون هي الموجه والمقيم للنشاط الفني فالمجتمع ثري بهذه الخبرات إضافة لأهمية وضع كل الممكنات للوصول للموهوبين بمختلف المناطق ومن كل الشرائح بل دعم وحصر أعمال المسؤولية الاجتماعية التي تقيمها جمعيات ذات أغراض تخص فئات بالمجتمع بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص لإبراز مواهب من فئات خاصة ليس لديها فرص كبيرة لإظهار أعمالها وإعطاء ميز نسبية لمن يساهم من القطاعرالخاص بهذه الأعمال الإنسانية والثقافية فالفنون البصرية تعد من أهم القوى الناعمة لتعريف كل مجتمع بحضارته وثقافته كما أن لكثافة الانشطة دوراً في دعم برنامج جودة الحياة وتحويل البيوت ومقار الأعمال والطرقات لأماكن تنبض بالجمال.
نقلا عن الجزيرة