الاستعداد الاستباقي للاقتصاد والقطاع الخاص

19/10/2022 0
عبد الحميد العمري

إنه لأمر يبعث كثيرا من الثقة والطمأنينة على المستوى الاقتصادي، يضاف - بحمد الله - إلى السمات المتينة للاستقرار الشامل الذي تتمتع به المملكة، بإعلان وزارة الاقتصاد والتخطيط إطلاقها مؤشرا استباقيا MEPX، تستهدف من خلاله رصد ومتابعة وتحليل المؤشرات والبيانات الاقتصادية الصادرة عن الجهات الرسمية في المملكة، وسرعة استقراء دورة الأعمال الخاصة بالقطاع الخاص، والعمل مبكرا على تشخيص الوضع الاقتصادي، ومن ثم تقديم التحليل اللازم للمسؤولين وصانعي القرار، ومساعدتهم بالدرجة اللازمة في الوقت المناسب، لتمكينهم من صياغة السياسات الاقتصادية الفاعلة.

تزداد أهمية إطلاق مثل هذا المؤشر الاستباقي، وسط تقديرات للاقتصاد العالمي باتجاهه نحو فترة زمنية يغلب عليها الركود، كان أبرز تلك التقديرات ما نشره صندوق النقد الدولي في مراجعته الأخيرة خلال الشهر الجاري، بخفضه توقعات نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.7 في المائة خلال العام المقبل، ونمو الاقتصادات المتقدمة بمعدل أدنى لا يتجاوز 1.1 في المائة، مقابل تفاؤله بنمو اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعدل 3.6 في المائة. حيث يتكون من عشرة مؤشرات فرعية بأدوات إحصائية قادرة على استقراء التقلبات الدورية، ونقاط التحول للقطاع الخاص في المملكة بشكل مستمر، صنفت إلى أربع فئات رئيسة "قطاع المستهلكين، قطاع الشركات، القطاع المالي، وقطاع التجارة"، سيؤدي وجودها إلى تمكين المختصين في الوزارة من الاطلاع بشكل أعمق على أحدث البيانات، ومتابعة محركات النمو في القطاع الخاص، والقدرة على استقراء مسارها المستقبلي.

إن ما يزيد من حجم الثقة بالاقتصاد الوطني ومستقبله المنشود تحت مظلة رؤية المملكة 2030 عموما، وفي النظرة الراهنة والمستقبلية للقطاع الخاص خصوصا، استنادا إلى المتانة المالية وتوافر الاحتياطات والموارد الكافية للاقتصاد، التي مكنته من النمو بأسرع وتيرة منذ الربع الرابع 2011 وصلت إلى 12.2 في المائة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، ونمو القطاع الخاص للفترة نفسها بمعدل 8.3 في المائة، كل هذا بكل تأكيد مصدر اطمئنان وباعث إيجابي - بإذن الله - خلال الأعوام المقبلة، وما زاد منه المبادرة السريعة بالتفكير والاستعداد الاستباقي حسبما أعلنته أخيرا وزارة الاقتصاد والتخطيط، كنت قد أشرت إلى أهميته في المقال الأخير "تحفيز القطاع الخاص في ظل توقعات الركود العالمي"، وأن تأتي الإجابة الواضحة من خلال وزارة الاقتصاد في التوقيت ذاته، فهذا ما يعزز بدرجة كبيرة من مستوى الثقة لدى قطاع الأعمال المحلي، الذي ينشغل خلال الفترة الراهنة بالبحث في الخيارات المتاحة لديه، استعدادا لتوقعات الركود الاقتصادي العالمي، وهو ما سيخفف بدرجة كبيرة من الأعباء والتحديات التي يواجهها اليوم وفي الأجلين القصير والمتوسط مستقبلا، التي تم التطرق إلى أبرزها في المقال السابق.

تتسم جميع الجهود والمبادرات الراهنة والمزمع اتخاذها مستقبلا لأجل المحافظة على استقرار القطاع الخاص أولا، وتمهيد السبل أمامه لنموه المستدام بالمعدلات اللازمة بالدرجة الثانية، أؤكد أنها تتسم بالأهمية القصوى، والتأكيد هنا بصورة أكثر تركيزا على جانب التوطين وزيادة فرص العمل الجيدة أمام الموارد البشرية المواطنة، والاستمرار بخطى ثابتة على طريق كبح معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات، الذي ترتقي أهميته إلى أعلى درجة في سلم الأولويات التنموية والاقتصادية عموما. ليتم كل هذا المنجز المأمول تحققه، لا بد من تسخير الجهود اللازمة والموارد الكافية لاستمراره في تحقيق النمو الحقيقي المطرد، الذي كلما تحقق بصورة مستدامة على مستوى كل من النمو والتوسع في نشاطاته، جاءت نتائجه إيجابية وملموسة وممكنة بدرجة كبيرة في اتجاه زيادة معدلات التوطين، يقابله مزيد من خفض معدل البطالة.

وكما سبق الإشارة إليه في أكثر من مقام ومقال، فإن تحقيق مشروع عملاق كمشروع يحمل على كاهله توطين مزيد من الوظائف وفرص العمل في القطاع الخاص، يجب التأكيد أن دائرة إنجازه وترجمته على أرض الواقع الآن ومستقبلا، تتجاوز كثيرا حدود وقدرة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية منفردة، فهو وقياسا على التجارب الطويلة طوال الأعوام الماضية لسوق العمل المحلية، يرتبط بمنظومة متكاملة من الجهود اللازم بذلها من قبل عدد أكبر من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، وبمشاركة وثيقة ومستمرة مع القطاع الخاص، في الوقت ذاته الذي يتركز دور ومسؤوليات وزارة الموارد البشرية على جهودها الرامية إلى بث الحيوية والمرونة في برامج التوطين، وسرعة تكييفها مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية بين فترة وأخرى، كما هو قائم الآن من تطور تم بصورة مقبولة قياسا على عمر التجربة القصير، الذي أسهم في إنجاز الكثير على هذا المستوى خلال الفترة القصيرة الماضية، وتأكيد ذلك آت من الانخفاض الراهن في معدل البطالة، والتسارع القياسي الذي تم تسجيله على مستوى نمو وظائف المواطنين والمواطنات في القطاع الخاص منذ مطلع النصف الثاني من العام الماضي حتى تاريخه. وعلى أن تلك التجربة حديثة العهد، ما زالت في جزء مبكر من الطريق الطويل إلى صورتها النهائية مستقبلا، إلا أن ما تم إنجازه من تحسينات على برامج التوطين حتى الفترة الراهنة، لعب أدوارا مهمة في التقدم الملموس الذي جنى الاقتصاد والمجتمع جزءا من ثماره، سواء على مستوى رفع معدلات مشاركة العمالة المواطنة في سوق العمل المحلية، أو على مستوى زيادة معدلات التوطين، أو على مستوى زيادة مشاركة المرأة السعودية في الوظائف، وهو ما يؤكد أن جميع النوافذ اللازمة للوصول إلى مستهدفات رفع معدلات التوطين، وتوفير فرص العمل المجدية، وخفض معدل البطالة، أصبحت واضحة وجلية، لكن تزداد أهميتها خلال الفترة الراهنة ومستقبلا في ظل التوقعات غير المتفائلة بمستقبل الاقتصاد العالمي الأقرب إلى الركود.

 

 

نقلا عن الاقتصادية