قراءة في بيان «أوبك +»

11/10/2022 5
فواز حمد الفواز

بعد اجتماع لدول "أوبك +" حضوريا لأول مرة منذ أزمة كوفيد، كان قرار المجموعة بالإجماع تقليص الإنتاج بمليوني برميل أكثر مما توقع أكثر المراقبين، جمعتني مناسبة بالمصادفة مع مختصين في الطاقة في اليوم السابق للاجتماع، وكان أكثرهم يتوقع مليونا أو حتى أقل. ولكن في ظل حالة عدم يقين مؤثرة، لا يلام أحد على خطأ التوقعات، خاصة أن أغلب التوقعات لأسعار النفط تغالط حتى أبرع المراقبين.

أهم ما جاء في الاجتماع، أولا، تمديد اتفاقية التعاون حتى نهاية 2023. ثانيا، تقليص الإنتاج مليوني برميل بداية من تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 "ربما سبب لعدم تفاعل السعر بسرعة على الرغم من حجم التنقيص". ثالثا، تمديد اجتماعات لجنة الرقابة الوزارية من شهريا إلى كل شهرين "عامل مهم ربما يساعد على تقليل التوجس والتوقعات والمضاربات"، كذلك للجنة الحق في الاجتماع سريعا إذا رأت أن ظروف السوق تستدعي مراجعة. لم يذكر بيان "أوبك +" حصص الدول الجديدة على أثر تقليص الإنتاج، ما جعل كثيرين في حالة انتظار حول حجم النقص الفعلي وعلاقته ليتماشى مع عدم قدرة كثير من الدول على الإنتاج بقدر حصصها، ما يجعل النقص تعديلا يتماشى مع الواقع.

لا يمكن قراءة نتائج الاجتماع دون ملاحظة أن حالة عدم اليقين معقدة على أكثر من مستوى، رغم أن الاجتماعات عادة ليست بعيدة عن التعقيدات في الماضي، خاصة الاقتصادية والمالية والجيوسياسية، التي تمتد من حالة بعض الأعضاء إلى العلاقة بين الأعضاء وعلاقة الأعضاء مع دول مؤثرة أخرى، إلى ضبابية المستقبل الاقتصادي.

من أهم التعقيدات اليوم، أولا، حالة الاقتصاد العالمي الذي بدأ يعاني شبح الركود الذي يصعب تقدير حدته خاصة في الصين وأوروبا لأسباب مختلفة، وفي الأغلب ستلحق بهم أمريكا ـ أهم عامل في الطلب. ثانيا، تبعات الحرب خاصة أن إنتاج روسيا بدأ بالنقص الذي ربما يصل إلى نصف مليون برميل قريبا، خاصة في ظل ما يذكر عن تخفيضات في أسعار النفط الروسي. ثالثا، استمرار عدم قدرة كثير من الأعضاء على استعادة سعة الإنتاج مثل: نيجيريا وليبيا وفنزويلا وآخرين. رابعا، ظروف اتفاق العالم مع إيران حول الشأن الذري، وبالتالي رجوعها إلى السوق خاصة أن الحراك الشعبي في إيران ارتفعت وتيرته. خامسا، ربما أبعد قليلا في سلم الزمن، لكن مدى عودة أو تراجع الاستثمارات النفطية في الاستكشاف والإنتاج.

حالة عدم اليقين تتمخض في قراءة هذه العوامل الخمسة وتحويلها إلى قرار ينتهي بأرقام إنتاج محددة لدول كثيرة تختلف في معطياتها الظرفية والمستقبلية. لذلك ذكر وزير الطاقة أنه لم يشهد حالة عدم يقين كهذه خلال تجربته في الـ35 عاما الماضية. هناك أربع ملاحظات مهمة جدا ذات علاقة، الأولى أن أسعار النفط لم تسجل أرقام ارتفاع مماثل لمصادر الطاقة الهيدروكربونية الأخرى، فمثلا أسعار المحروقات في أمريكا ارتفعت 11 في المائة، بينما "برنت" 6 في المائة في سبتمبر، بينما الفحم والغاز سجل ما بين 80 و100 في المائة في الأشهر القليلة الماضية في أمريكا وأوروبا والصين. الثانية مستوى الإجماع عال رغم تعدد الدول وتغير الظروف، والثالثة تميز الدور القيادي للمملكة ممثلا بوزير محنك وصبور وخبرة تمتد لأربعة عقود. الرابعة رغبة مجموعة "أوبك +" في استقرار الأسعار بعد الانخفاض في الأسابيع القليلة الماضية.

لعل السؤال الأهم عن مدى التأثير في اقتصاد المملكة، ذكرت بعض التحليلات أن حصة المملكة وروسيا كأكبر منتجين من النقص ستبلغ نحو مليون برميل، بناء على هذه القراءة وما يذكر أن نقص الإنتاج الروسي فعليا وصل نصف مليون تصبح حصة المملكة أيضا نحو نصف مليون تدريجيا، الجدير بالذكر أيضا أن البيان لم يذكر جدولا لتقليص الإنتاج. ماليا ما يهم الدول هو حجم الدخل، ولذلك يصعب تحديد الدخل، لأنه سيعتمد على حجمي التصدير والسعر، وكليهما في حالة عدم اليقين خاصة أن المجموعة لا تستهدف سعرا معينا، لكن تسعى إلى توازن بين العرض والطلب، بينما السعر يعكس توازنا صحيا يخدمها ماليا. أغلب المؤشرات تشير إلى ارتفاع الأسعار في الربع الأخير مع تقليص حجم الإنتاج، وبالتالي ارتفاع دخل النفط.

 

 

نقلا عن الاقتصادية