اطلعت على كتاب بعنوان Oceans of Grains:How American wheat Remade the World ـ كميات ضخمة من الحبوب، كيف غير القمح الأمريكي العالم، للمؤرخ Scott R Nelson ـ سكوت رينلدز نيلسون. الكتاب طبع قبل الحرب لكن أول ما يثير القارئ وجه التشابه في دور الغذاء عامة والقمح خاصة في الظروف الموضوعية، بين دور القمح بين الدول الثلاث ـ أمريكا وروسيا وأوكرانيا في حقبة مضت مقارنة بالحاضر. دور القمح الأمريكي كان حاسما تاريخيا حين أصبح متوافرا بكميات ضخمة وأسعار معقولة، على أثر زراعة الأراضي الضخمة في الوسط الأمريكي في أوسط القرن الـ19، تحديدا بعد نهاية الحرب الأهلية التي كان الجنوب يقاوم دور القمح لمصلحة القطن. التشابه مع اليوم يبدأ حين استطاعت الإمبراطورة الروسية كاثرن تأسيس أوديسا في 1794 على البحر الأسود، بغرض تصدير القمح من روسيا وأكثر من أوكرانيا التي كانت سلة خبز أوروبا. ساعدت روسيا حروب نابليون حين وفرت أوكرانيا القمح، حيث تقلصت الزراعة في غرب أوروبا.
استمرت روسيا في دورها المركزي في التصدير إلى أن استغل العثمانيون المضيق لسد الصادرات الروسية، وأيضا قرر الإمبراطور نيقولاي الأول توفير القمح للمجهود العسكري ضد العثمانيين في 1853. حصر التصدير أثار الدول الغربية ضد روسيا، ما جعلها تساعد خصوم "روسيا"، ما دمر المنظومة الروسية ماليا وفي الأراضي الزراعية، وبالتالي تجارة القمح. ساعد أوروبا أن القمح الأمريكي بدأ يلعب دورا مهما بمساعدة من تطوير اقتصادات النقل بالقطارات من وسط أمريكا إلى الموانئ في شرقها. تعرقلت الزراعة في روسيا وتطورت في أمريكا إلى حد أن تكلفة نقله داخل روسيا وأوكرانيا إلى أوديسا، كلفت ستة أضعاف تكلفة نقله من وسط أمريكا إلى نيويورك في 1880. كذلك يذكر أن استعمال الديناميت في 1867 أسهم في توسيع الموانئ وتسهيل ممرات القطارات. أحد أوجه التشابه أن كاثرن أغرت طائفة ألمانية عرفت عنها التفوق في زراعة القمح، للمساعدة على زراعة القمح، التي نفسها هاجرت إلى أمريكا بعد تردي الأوضاع في أوكرانيا. في السبعينيات من القرن الـ19 ارتفعت صادرات القمح الأمريكي ستة أضعاف ما خفض الأسعار وزاد متوسط الأعمار ووجدت دول أوروبا وفرة ساعدتها على استعمار بقية العالم طبقا للكتاب. من 1869 إلى 1911 ارتفع الإنتاج الزراعي في أمريكا ضعفين ونصفا ما جعلها أكبر اقتصاد عالمي، كذلك أسهم في السيطرة على التضخم رغم الحروب. بينما دخلت روسيا في أزمة لمدة قرن تقريبا ساعدت عليها السياسات الشيوعية، خاصة ستالين، وأسهم أيضا إغلاق العثمانيين أثناء الحرب العالمية الأولى في إنهاء أي تصدير.
أدى الجوع إلى عنف دمر أوديسا أثناء الحرب الأولى. استمرت أزمة القمح الروسية حتى السبعينيات من القرن الماضي. لذلك تعلم بوتين من ضرورة الاهتمام بتوافر وتجارة القمح إلى أن أصبحت روسيا لديها حصة 16 في المائة كأكبر مصدر في العالم، لو تمت السيطرة على أوكرانيا أصبحت 30 في المائة، وبالتالي تلعب دورا محوريا في غذاء العالم. محاولة روسيا السيطرة على ميناء على البحر الأسود والمباحثات مع تركيا، تعيد التاريخ من المكان والسلعة أنفسهما. يقول نيلسون الذي طبع الكتاب قبل الحرب، لكنه ليس مندهشا، إن كل من يحاول بناء إمبراطورية لا بد أن يوظف الطاقة والغذاء، بل إنه حتى لو فشل بوتين سيحاول روسي آخر. كما يقال دائما التاريخ قد لا يعيد نفسه لكنه يتناغم.
نقلا عن الاقتصادية
