هناك قاعدة عامة متوارثة عن نسبة الاستثمار في كل من السندات والأسهم حسب عمر الشخص، وهي أن تكون نسبة الاستثمار في الأسهم تساوي 100 ناقص عمر الشخص، وباقي النسبة في السندات. فمثلا من عمره 30 عاما يستثمر 70 في المائة من رأس ماله في الأسهم و30 في المائة في السندات، أو ما يشابهها من الوسائل الآمنة نسبية والمدرة للدخل. ومن عمره 70 عاما، يستثمر فقط 30 في المائة في الأسهم و70 في المائة في السندات.
ما سبب ضرورة تنويع الاستثمار بهذا الشكل؟ وما علاقة ذلك بعوائد السندات والأسهم، وهل العلاقة بين حركة أسعار السندات والأسهم دائما عكسية؟
حجم سوق السندات العالمية يصل إلى نحو 120 تريليون دولار، وحجم سوق السندات الأمريكية نحو 46 تريليون دولار، وهذا أكبر بكثير من حجم أسواق الأسهم. ولذلك فهناك اهتمام كبير بحركة السندات، وبالذات السندات الحكومية الأمريكية التي عادة تشكل نحو 35 في المائة من حجم السوق، تليها سوق سندات الشركات.
غالبا هناك علاقة عكسية بين أسعار السندات وأسعار الأسهم، وهو الأمر المشاهد في معظم الفترات الزمنية، والسبب هو أن الأموال حين تتجه إلى الأسهم فهي في الغالب تخرج من السندات، فتنخفض أسعار السندات وترتفع أسعار الأسهم. ومع انخفاض أسعار السندات ترتفع نسبة العائد على السندات، وهذه علاقة عكسية مطلقة، سعر السند والعائد على السند يتحركان بشكل متعاكس في جميع الأوقات. ولهذا السبب فإن وجود السندات في المحفظة الاستثمارية يوجد نوعا من التوازن في عائد المحفظة بحيث عندما تنخفض أسعار الأسهم ترتفع أسعار السندات والعكس صحيح.
أما طريقة طرح عمر المستثمر من الرقم 100 لتحديد نسبة الاستثمار في الأسهم، فسببها أنه مع تقدم الشخص بالعمر يجب عليه خفض حدة المخاطرة التي يستطيع تحملها، وبالتالي يحتاج إلى خفض نسبة الأسهم في المحفظة وزيادة نسبة السندات فيها. وهذه الطريقة ليست علمية بل هي مجرد مقولة متوارثة، الهدف منها التذكير بأنه مع تقادم العمر من الضروري تخفيف حدة المخاطرة.
المشكلة التي تواجه المستثمرين هذا العام هي أن أسعار الأسهم وأسعار السندات أخذت في الهبوط معا، بدءا منذ بلوغ أسعار الأسهم قمتها منتصف العام الماضي. فمثلا نجد أن الأسهم الأمريكية، ممثلة في مؤشر إس آند بي 500، منخفضة منذ بداية العام بـ23 في المائة، وبالمقابل نجد أن أحد أكبر الصناديق المتداولة للسندات AGG منخفض بـ15 في المائة. لذا فكثير من المحافظ الاستثمارية تلقت في الواقع صفعتين في الوقت نفسه، من انخفاض السندات والأسهم في آن واحد.
سبب استمرار انخفاض أسعار السندات هو بالطبع يعود إلى ارتفاع أسعار الفائدة، التي تجعل المستثمرين يبيعون السندات الحالية التي تمنح فائدة متدنية، وينتظرون الوقت المناسب لشراء السندات مرة أخرى. لذا نجد أنه حتى الآن لا يزال المستثمرون يراهنون على مزيد من الارتفاع في أسعار الفائدة، وبالتالي مزيد من الهبوط لأسعار السندات، لذا فهم لا يرغبون في شراء السندات حاليا لتجنب تلقي مزيد من الخسائر حين تهبط أسعارها مرة أخرى.
هذا الهبوط في أسعار السندات يجعلنا نتساءل عن سبب عدم توجه الأموال إلى سوق السندات على الرغم من ارتفاع العائد بشكل حاد في الأشهر القليلة الماضية. على سبيل المثال تصل نسبة الفائدة على سندات الحكومة الأمريكية لعشرة أعوام نحو 3.8 في المائة، وتصل الفائدة لمدة عام واحد نحو 3.1 في المائة، كما أن سندات الشركات عالية الجودة تصل الفائدة في بعض منها إلى نحو 6 في المائة. لذا من المفترض أن نرى هجرة الأموال إلى السندات، ولا سيما أننا نعلم أن أموالا كثيرة خرجت من الأسهم، كما يتضح في الهبوط الحاد لأسعار الأسهم هذا العام. لكن الأموال لم تتجه إلى السندات كما يتضح من هبوط أسعارها!
أموال المستثمرين تنتظر توقف رفع أسعار الفائدة قبل أن يقرر المستثمرون الدخول في السندات، لكن إن كانت الأموال تخرج من الأسهم وتخرج كذلك من السندات، فإلى أين هي متجهة؟ هل هي متجهة إلى العقار أم السلع أم غيرها؟ الحقيقة أن جميع مؤشرات القطاع العقاري وكذلك السلع والمعادن حتى النفط تمر بمرحلة هبوط، ما يعني أن الأموال كذلك تخرج من هذه القطاعات. إذن أين هي الأموال؟
من الواضح أن أموال المستثمرين التي خرجت من هذه القطاعات هي الآن موجودة بشكل نقدي، كاش، التي في الأغلب تكون في السندات الحكومية قصيرة الأجل، وهذا في الواقع ما نراه في أذونات الخزينة لفترة شهر واحد وثلاثة أشهر، التي عوائدها حاليا 2.6 في المائة لفترة شهر، و3.2 في المائة لفترة ثلاثة أشهر، وهنا نلاحظ أن هذه العوائد متدنية مقارنة بعوائد السندات ذات الآجال الأطول نسبيا، التي تقترب من 4 في المائة. أي أنه بسبب كثافة الشراء الموجه لهاتين الوسيلتين، فإن أسعارها ترتفع، وبالتالي تنخفض عوائدها كما هو متوقع.
المسار الطبيعي هو أن تسلك أسعار السندات اتجاها معاكسا لأسعار الأسهم، وهو الأمر الذي لم يحصل هذا العام، والسبب الرئيس هو أن المستثمرين ينتظرون وضوح الرؤية لمستويات الفائدة قبل أن يقرروا الدخول أو الخروج من السندات، التي كما هو معروف تتأثر أسعارها بحركة أسعار الفائدة، فتنخفض أسعارها عندما ترتفع الفائدة.
في حال حدوث ركود اقتصادي حاد لاحقا هذا العام أو بداية العام المقبل، فسيضطر مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة، لكن سيواجه مشكلة كبيرة في حال لم تنخفض وتيرة التضخم، فتصبح الحالة الاقتصادية تضخما في الأسعار مصحوبا بأسعار فائدة منخفضة، ما سيفاقم الوضع. وهذا يفسر سبب رفع مستويات الفائدة بشكل حاد حاليا، بحيث لو حدث هناك ركود اقتصادي واضطر "الفيدرالي" إلى خفض الفائدة، فسيكون الخفض من مستويات عالية، فيقل تأثيرها في مستويات التضخم في ذاك الوقت.
نقلا عن الاقتصادية