أطلقت البنوك السعودية حملة توعوية وطنية تحت شعار «خلك حريص» بهدف التوعية ومحاربة عمليات الاحتيال من خلال رفع الوعي لدى عملاء البنوك، وهي خطوة مهمة ولا شك، ستسهم في الحد من عمليات الاحتيال التي انتشرت بشكل واسع وكبدت عملاء المصارف أموالاً طائلة.
ومن الخطوات العملية التي قامت بها المصارف، إنشاء مركز عمليات مشتركة يجمع البنوك السعودية كافة تحت سقف واحد في غرفة مُشتركة بهدف تحسين تجربة العملاء ومعالجة حالات الاحتيال المالي المؤكّدة.
تعاون مشترك بين البنوك يحقق التكامل، وسرعة الاستجابة لبلاغات الاحتيال، واتخاذ القرارات المناسبة الفورية المحققة لحماية العملاء، وأرصدتهم المصرفية. خطوات مهمة غير أنها في حاجة لإجراءات إضافية تسهم في سد الثغرات وتحقيق الحماية الشاملة لعملاء المصارف، بحسب مستويات معرفتهم بالتقنية، وأنظمة الحماية، وآلية التعامل مع المحتالين، وأساليبهم المبتكرة.
ركزت الحملة على أهم مفاتيح الاحتيال، وهي المعلومات المصرفية السرية التي يجب على العملاء الالتزام بعدم إفشائها، وتمريرها للمحتالين المتقمصين شخصية موظفي بنوك أو جهات خدمية أخرى. وهو أمر مبرر، فأرقام المرور المؤقتة، وبيانات الحساب وبطاقة الصرف الآلي، تعطي المحتال صلاحية الدخول وتغيير بيانات الحساب لضمان عزل صاحبه، وتعطيل صلاحياته نهائياً، وإبطاء عملية الإبلاغ حتى التمكن من تحويل الرصيد كاملاً إلى حسابات وسيطة. ولكن ماذا عن العمليات المساندة الأخرى الواجب تحقيقها لمواجهة عصابات الاحتيال، والحد من أنشطتهم والتي تعتبر من مسؤوليات المصارف وجهات خدمية أخرى؟.
هناك حلقة مفقودة في عمليات الاحتيال المصرفي تستوجب البحث العميق من أجل كشفها ومعالجتها وفق إجراءات أمنية سيبرانية مصرفية مشتركة. وهناك ثغرات يستغلها المحتالون لتعزيز ثقة عملاء البنوك بهم، وتحملهم على التجاوب معهم. فأرقام الاتصال المحلية، ومعلومات العميل المتوفرة لدى المحتالين، وبعض شؤونه الخاصة غير المُعلنة، وربما قضاياه مع جهات خدمية من الأمور التي تحمل العملاء على التجاوب معهم، برغم المخاطر وحملات التوعية المكثفة.
عمليات الاحتيال المصرفي في حاجة إلى دراسة دقيقة تكشف جوانبها الغامضة، وأدواتها في جمع المعلومات السرية، ومن ثم استغلالها لحمل العملاء على التصريح بأرقامهم السرية وبيانات حساباتهم المصرفية. كما أنها في حاجة لاستثمار الذكاء الاصطناعي في تتبع عمليات الاحتيال، والاتصالات، والمواقع المزورة على شبكة الإنترنت، وعمليات تناقل الأموال بين الحسابات، وإن تم تجزئتها بغرض الإخفاء. أما التحويلات الخارجية فيفترض أن يكون أمر معالجتها متاحاً مع وجود مهلة الاستحقاق في التحويلات الخارجية التي لا تقل عن 48 ساعة.
برر بعض من تعرض لعمليات احتيال تجاوبهم مع المحتالين بالمعلومات التي كانوا يمتلكونها عن اعتراضات قدموها لجهات خدمية، واستغلوها لكسب ثقتهم ومن ثم السيطرة على حساباتهم، وسحب أرصدتهم، ماقد يكشف عن فرضية اختراق من خارج دائرة العميل الضيقة. لذا يجب التأكد من تحقق سرية المعلومات في كافة الجهات الخدمية، وتتبع الثغرات وإغلاقها. طلب بطاقة ائتمانية، أو صراف آلي، أو قرض، أو حتى اعتراض على عمليات مالية، أو قضايا مستحقات عمالية، من المعلومات المهمة التي يمكن أن تتسرب فتتحول إلى وسيلة لتعزيز ثقة العملاء بالمحتالين.
هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات معنية أيضاً في قضايا الاحتيال المصرفي، ويفترض أن يكون لها دور أكبر في كل ماله علاقة بقنوات الاتصال الخارجية والداخلية، وتتبعها، والتعامل السريع مع البلاغات. ضبط الجهات الأمنية لبعض عصابات الاحتيال قد يسهم في الكشف عن تفاصيل دقيقة لآليات الاحتيال المتبعة محلياً، والتي يمكن من خلالها بناء أنظمة حماية قادرة على وقف الاحتيال المصرفي وتحصين عملاء البنوك وحماية أرصدتهم من السرقة. الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي قد يشكلان جدار الحماية الأكثر فاعلية في مكافحة الاحتيال المصرفي.
المطالبة بالحرص يجب ألا تتوقف على عملاء المصارف، بل يجب أن تلتزم بها المصارف نفسها، والجهات الخدمية، ويفترض أن تتحول إلى برامج حماية مطورة وعميقة وشاملة قادرة على تحقيق التكامل الحمائي بين الجهات الخدمية والمستفيدين، والالتزام القادر على محاربة المحتالين وحماية العملاء ومدخراتهم المالية.
نقلا عن الجزيرة