نعيش في عصر سريع، فهو إذن ليس صديقًا ودودا لراحة البال التي تحتاج الهدؤ والسكينة واستقرار المشاعر وعمق العلاقات الطيبة بين الناس، عصرنا سريع في كل شيء تقريبًا، الأخبار تتوالى بل تنصب انصبابا، والإعلام يبرز أخبار الكوارث والمصائب والشرور ويكاد يتجاهل الأخبار السعيدة، والإعلام، بشتى قنواته الكثيرة، يتنافس على نقل الأحداث المثيرة وهي لا تتناسب مع الهدوء والسكينة وراحة البال، بل توتر الأعصاب، كما أن زحمة المرور وسوء القيادة والسرعة والتلوث من لوازم حياتنا اليومية شئنا أم أبينا، فهي سمة الكثير من المدن ومن السائقين يفرضونها على الملتزمين بالذوق وحسن القيادة، السرعة سمة العصر الطاغية حتى في تناول الطعام، قلّ الآن اجتماع الأسرة على مائدة واحدة طيبة يلتم بها الشمل ويتم فيها تناول الطعام على مهل وتبادل أحاديث الود والانسجام والاستمتاع التام بمائدة شهية في اجتماع تام للأسرة على الطيبات من الرزق، زادت الهوة بين الأجيال، كبار السن يريدون طبخ البيت المتقن وأطباق الفاكهة والخضار، وصغارهم ينفرون من ذلك ويهرعون للوجبات السريعة يتناولونها في أي مكان، والتحديق في الجوالات طغى على الأحاديث المباشرة والتواصل الإنساني المحبب الودود، والذي يريح النفوس ويصل القلوب بالقلوب.
وفي محيط الأعمال خف روح الزمالة التي تجعل الجو يرفرف بالصداقة، وفي تداول الأسهم يسرع كثيرون في الشراء والبيع وكأنهم ملحوقون أو منومون مغناطيسا، وكثير من المضاربين يشبهون الذي يطارد، في وقت واحد، أرانب كثيرة سريعة في صحراء واسعة فلا أرنبًا صاد ولا راحة أبقى، لاشك أن لعصرنا مزايا كثيرة، لكن طغيان السرعة فيه وهيجان الأخبار واستعباد الآلات لوقت الإنسان جعلت عصرنا غير صديق لراحة البال لدى كثيرين، أما الموفقون فقد تمكنوا من الاستمتاع بحسنات عصرنا الكثيرة وتلافي مزعجاته قدر الإمكان، فهم يخلون بأنفسهم سويعات كل يوم خلوة خالية من أي أجهزة، قد يتخللها قراءات في كتب متفائلة، أولها وأعظمها القرآن الكريم مما يمنح طاقة إيجابية، وانشراح صدر، وراحة بال .. وهدوء الخلوة يعيد توازن المشاعر ويسكب الطمأنينة في الخلايا والحنايا، وهؤلاء يقللون (مشاويرهم) إلى آخر حد، ويحبون التنزه في المزارع والحدائق العامة تمنحهم الخضرة والأشجار والأزهار انشراحًا في الصدر وابتهاجًا في القلب، ويمارسون رياضة المشي في الهواء الطلق، ولا يسمعون الأخبار أكثر من مرة في اليوم، ولا يسمحون للسفهاء بتعكير صفوهم وذلك بهجرهم وتجاهل ما يقولون إن بُليوا بهم مع سرعة الانصراف.
الموفقون لا يحبون السرعة وليست لهم عادة، ولا يتخذون قرارات متسرعة، أو يجعلون وسائل الإعلام ورسائل التواصل الاجتماعي تأخذ وقتًا هامًا من حياتهم، يعتنون بأنفسهم ويتقربون لأُسرهم ويختارون في الجلوس حولهم أفضل الأوقات وأحسن حالات المزاج، ويقللون الهوة بين الأجيال بإعطاء الجيل الجديد أفضل ما لديهم وأخذ أفضل مالديه في خيوط من حرير لا حديد تربط الجيلين ومداها وامتدادها طويلين.
تعلم فن الاسترخاء يريح جدا من سرعة العصر الهائجة، وذلك عن طريق تمارين الاسترخاء وإتقان التنفس، وقبل ذلك بالصلاة الخاشعة التي تسكب نور الإيمان والأمان في النفوس، وتأخد الإنسان، خمس مرات في اليوم على الأقل، من ضجيج الناس والأسواق والآلات إلى نعيم الإيمان ومناجاة الرحمن ولحظة صادقة منها أجمل من الدنيا وما فيها، مع مواصلة ذكر الله تعالى، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
نقلا عن الرياض
ألا بذكر الله تطمئن القلوب ...... شكر لك على هذا المقال الرائع.
حياك الله أبو احمد العصر الحديث مليء بالتحديات و الضغوطات والمتطلبات التي لم تكن مطلوبة من أسلافنا .. كل هذه التحديات جعلت التوتر سمة من سمات العصر . أينما توجهت ومع من تكلمت، تجد أنه الموضوع الأكثر حديثاً وإيلاماً في وقتنا هذا. الكل يعاني منه، وإليه تُنسب كل الأمراض الظاهر منها والباطن، فكأنما لا بلاء إلا منه ولا شفاء لأي مرض إلا بالشفاء منه. فلنستفد من التطور لا أن نصبح أسرى له، ولنستفد من أمور كثيرة تعيد الطمأنينة إلى حياتنا وتبعد عنا التوتر. بالرغم من كل الانشغالات والمعارك اليومية التي نخوضها يومياً، فلنتعلم أن لا بد من الترجل قليلاً عن صهوة العدو والراحة قليلاً، وإلا فإن التوتر سيقضي علينا لا محالة. شكرا لك .. و لمقالك المتميز كعادتك ..