اقتصادات الطاقة كانت تتحرك نحو توازن جديد بين العرض والطلب، بما في ذلك تسعير أعلى قبل الحرب، لكن الحرب سرعت الحركة، وأيضا أدت إلى حقائق جديدة بعضها مؤقت فقط، لأن هناك عدم توازن مؤثر، ومن طبيعة الأمور الرجوع إلى الحالة الاعتيادية. نقطة التحول اللحظية تحكمها تصرفات روسيا وردة الفعل الغربية والعكس. الحرب أدت إلى العقوبات الغربية لضرب مصدر التمويل الروسي، لكن اعتماد أوروبا الغربية على النفط والغاز حتى الفحم الروسي مؤثر اقتصاديا، وفي ظل ضغط وتوجس لتوفير كميات كافية لشتاء صعب في وقت قصير. النقطة الحرجة تلاقت في رغبة روسيا الضغط على أوروبا في أحرج الأوقات، وحاجة أوروبا إلى الضغط على روسيا اقتصاديا لتكتمل الحرب ضدها. الإحراج كان وما زال كبيرا على أوروبا بدعم أوكرانيا عسكريا واقتصاديا وتمويل روسيا من خلال استيراد الغاز والنفط، لذلك كان متوقعا أن تكون هناك لحظة انفصال في علاقات الطاقة.
خطوط المعركة عسكرية واقتصادية ودعائية وثقافية، لكن ما يهمنا هنا جانب الطاقة. يبدو أن الحالة العسكرية في حال من التكافؤ، ولذلك عدنا إلى الجانب الاقتصادي والمالي من بوابة الطاقة.
بدأت هذه الجولة من الحرب بتوظيف أعمال الصيانة لتقليل إمدادات الغاز إلى أوروبا والخطوة الغربية "بقيادة G7" بوضع سقف جديد لأسعار النفط الروسي. ارتفاع أسعار الغاز غير الصورة بعض الشيء، لكن مصدر التمويل الرئيس سيبقى النفط الذي يشكل نحو نصف الميزانية الروسية، خاصة بعد إضعاف الحالة الاقتصادية، لذلك ربما ارتفع اعتماد روسيا على النفط، بينما تريد توظيف الغاز لمعاقبة أوروبا. الحالة معقدة لأن المركز المالي ما زال جيدا لروسيا وأحسن للدول الغربية، لأنه كما شهدنا في مصروفات أمريكا على العراق وأفغانستان التي وصلت إلى أكثر من تريليوني دولار، ولم تعق أمريكا، كما أن أوروبا قادرة على طبع ما يكفي، لذلك هناك قدرة غربية مالية أفضل من روسيا حتى مع تصدير روسيا النفط، على الرغم من الضغوط التضخمية وتكاليف الطاقة. ما يريده الغرب هو إضعاف روسيا ماليا بعد أن بدأ التأثير الاقتصادي يضغط على روسيا.
الحقائق على الأرض تتحرك أسرع من الضغوط الاقتصادية والمالية، لكن لا يمكن المبالغة في التأثير المالي والاقتصادي. لذلك سرعان ما هددت روسيا بأن تطبيق دول الاتحاد الأوروبي سقفا لسعر النفط، يعني أنها ستتوقف عن تصدير الغاز تماما. اللحظة الحرجة ستكون حين يتم تطبيق السياسة الغربية والخطوة الروسية ـ حرجة بالضغط على الطرفين من ناحية، وإعادة تسعير الطاقة من ناحية أخرى. من المبكر معرفة ما سيحدث، لأن تهديد روسيا قد يقود إلى تأجيل السياسة الغربية أو إلغائها، كما أن التطبيق العملي لسقف سعري متعذر حاليا، خاصة في ظل عدم استيراد النفط الروسي من قبل دول المجموعة الأوروبية. لكن هناك صعوبات عملية، في سقف السعر الأقل من سعر السوق الذي سيشكل حافزا للدول التي تستورد النفط الروسي، ويشير أغلب الشواهد إلى أن بعض هذه الدول يحصل على تخفيض، كالهند التي زادت استيرادها من روسيا لأن لديها مصافي، لكن أيضا دولا أخرى، مثل الصين وباكستان، ما يوجد نقطة إحراج أخرى لأن هذه الدول إما أن تقف مع روسيا وإما أن تكون على درجة من الحياد الإيجابي نحوها. لكن لدى الغرب أيضا السيطرة على الناقلات الكبيرة وليست لدى روسيا طاقة كبيرة للتخزين.
ما هو السعر ومتى ستحدده G7؟ هل هذا يقود إلى الضغط الغربي لشراء النفط الروسي، لكن بسعر أقل، ما يعني مصلحة مالية لا تخلو من إحراج أخلاقي؟ هل يتزامن الضغط المالي مع تحول عسكري يجعل أحد الفريقين يلجأ إلى التفاوض؟ الضغوط الاقتصادية والمالية تقود إلى خفض حدة النزاع أو إلى توسع الحرب؟ هل سيتناقص الإنتاج الروسي؟ وما دور ذلك في اجتماع "أوبك +" المقبل؟ هل الانخفاض في أسعار النفط بسبب ما يذكر عن التباطؤ الاقتصادي، خاصة في الصين، أم بسبب استمرار دول "أوبك +" في السياسة الإنتاجية نفسها؟ التحول في النقطة الحرجة سيسهم في الدخول إلى فضاء جديد لقراءة السوق.
نقلا عن الاقتصادية