استثمار المساجد بصالات للعزاء

01/09/2022 13
طلعت بن زكي حافظ

مَنح قرار حكومي الحق للهيئة العامة للأوقاف، بأن تكون المنشآت والاستثمارات التي أقيمت على أراضي المساجد ضمن المساحة المحددة بصك المسجد، تحت نظارتها وأن تتولى استثمارها، فيما عدا بيوت الأئمة والمؤذنين فتبقى النظارة عليها لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.

هذا القرار الحكيم يمكن الهيئة من العناية بصيانة المساجد ونظافتها وتوفير التجهيزات اللازمة لها، سيما وأنه مَنحها صلاحية الاستثمار ضمن المساحات المحددة بصكوك المساجد، والذي بدوره سيسهم في أن تكون المساجد المنتشرة في أرجاء البلاد على المستوى الذي يليق ببيوت الله عز وجل، والتي قد بلغ عددها 84,291 مسجداً وجامعاً بمناطق المملكة الإدارية الثلاثة عشرة، وفق آخر إحصاء أُجري في عام 1441/1442 وبعدد منتسبين من أئمة وخطباء ومؤذنين وعمال نظافة بلغ 93,826 منتسباً.

ويتوقع بإذن الله أن يسهم هذا القرار الحكيم أيضاً في تحقيق أهداف الدولة الرامية إلى التحسين من عمارة المساجد والعمل على استدامة خدماته الإدارية والاجتماعية وفقاً للمرتكزات الاستراتيجية الهادفة إلى تطــويــــر التصميــم العمراني والتحـسـيـن من اسـتــدامــة الخــدمــات المتعــلقــة بالمسجد حفاظاً على مكانته الدينية والإسلامية وكذلك مكانته الاجتماعية.

ولعل أيضاً من المبادرات الرائعة للعناية بالمساجد، التوقيع في وقتٍ سابق وبالتحديد في عام 1441 على مذكرة تعاون بين وزارة الشؤون الإسلامية والهيئة العامة للأوقاف لتأسيس صندوق وقفي للعناية بالمساجد، يُعنى بتوفير الموارد المالية اللازمة التي تساعد على استدامة العناية بالمساجد، وكذلك المساهمة في تطويرها، وتلبية متطلباتها واحتياجاتها، وتوجيه مصارف الأوقاف المشروطة على بيوت الله نحو الاحتياجات ذات الأولوية في هذا المجال، وأيضاً العمل على إيجاد وعاء موثوق لاستقبال وتلقي المساهمات المجتمعية الوقفية من الراغبين في الدعم.

ومن بين الجهود والمبادرات الوقفية كذلك في المملكة، إنشاء ذراع استثماري للهيئة العامة للأوقاف لطرح مجموعة من الفرص الاستثمارية العقارية التي ترغب الهيئة في استثمارها.

وكفرصة استثمارية أتطلع من الهيئة العامة للأوقاف النظر فيها ودراسة جدواها الاقتصادية، إنشاء صالات تخصص لمناسبات العزاء، وبحيث تكون من ضمن الأصول الاستثمارية التابعة للمسجد والمحيطة به.

برأيي أن إنشاء مثل هذه الصالات سيكون بمثابة خدمات إضافية تقدمها الهيئة العامة للأوقاف للراغبين فيها من خلال المساجد التي تحت نظارتها، أسوة بما تقدمه الجوامع الكبيرة في المملكة من خدمات إسلامية ودينية جليلة لأسر وعوائل المتوفي، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ غسل المتوفى وتكفينه وإقامة صلاة الجنائز بالمساجد والجوامع المصرح بها إقامة الصلوات الخمس، وكذلك حلقات تحفيظ القرآن الكريم وإلى غير ذلك من الخدمات.

إن إنشاء صالات مخصصة لتقديم واجب العزاء لأهل المتوفى بباحات المساجد والجوامع الكبيرة، سيسهم في تلبية الاحتياجات المجتمعية والمتطلبات والواجبات الإسلامية الدينية ببيئة وأجواء مهيئة لإقامة مثل تلك المناسبات، سيما ويفترض أن للهيئة العامة للأوقاف من خلال خبراتها المتراكمة الطويلة في إدارة الأوقاف، سوف تحرص بأن يكون إنشاؤها وفقاً لتصاميم تلبي احتياجات المناسبة، من حيث السعة والمساحة وسهولة الوصول للمكان والاستدلال عليه، بما في ذلك توفير أماكن كافية لوقوف سيارات المعزين، وتوفير خدمات الضيافة التي عادة ما تقدم في مناسبات العزاء.

كما أن إيجاد مثل هذه الصالات، سيخفف عن أهل المتوفى عبء وعناء تهيئة المكان المناسب لاستقبال المعزين بمساكنهم، سيما بالنسبة للمساكن والمنازل الصغيرة ومحدودة المساحة، ما قد يضطر أهل المتوفى ببعض الأحيان إلى استخدام جزء من الشارع أو الممر بالحي لإقامة مراسيم العزاء واستقبال المعزين، والذي بدوره لا يتسبب فقط في عرقلة الحركة المرورية بالطريق أو بالممر فحسب، وإنما يتسبب كذلك في إزعاج ومضايقة الجيران بالحي بسبب ازدحام السيارات نتيجة لصعوبة إيجاد مواقف كافية لسيارات المعزين.

أخيراً وليس آخراً، إن إيجاد صالات مخصصة لتقديم واجب العزاء سيسهم ليس فقط في تفعيل الدور الاستثماري للوقف، كونه سيعزز في نفس الوقت من الموارد المالية للوقف، وبالذات لو تم تأجير تلك الصالات بأسعار معقولة ومناسبة تكون في متناول معظم فئات المجتمع ومستويات دخولهم لتعزيز الإقبال عليها، مما سيمكن الهيئة من استخدام العوائد والموارد المالية المتحققة للصرف على صيانة المساجد ونظافتها وتوفير التجهيزات اللازمة لها من أجهزة كهربائية كالتكييف والفرش بأنواعه المختلفة (فرش مدات وفرش طولي)، حيث تشير الإحصائيات إلى أن ذلك النوع من التجهيزات قد بلغ في إجماليه 227,854 تجهيزاً في عام 1441.

أتوقع أن إنشاء صالات مخصصة لتقديم واجب العزاء، وما ستحققه من موارد وعوائد مالية إلى جانب الموارد المالية الأخرى للوقف، ستعمل على تحقيق الاستدامة المالية للوقف من خلال تنوع مصادر دعمه، فضلاً عما ستقدمه من خدمة مجتمعية جليلة وعظيمة، سيما وأن الهيئة تتبنى من خلال رسالتها السامية والنبيلة مهمة الرفع من مساهمة القطاع الوقفي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق رؤية المملكة 2030. كما أن ذلك سيمكنها من تحقيق العديد من الأهداف الموكلة إليها، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ تعزيز الاستدامة المالية للقطاعات غير الربحية، وتوجيه المصارف إلى برامج عالية الأثر وفق خطط استراتيجية ورؤية واضحة من خلال العمل على إطلاق حزمة منتجات وقفية متنوعة تلبي الاحتياجات الحالية والمستقبلية، من بينها، مشروع الصناديق الاستثمارية الوقفية بالتعاون مع هيئة السوق المالية، التي تَهدف إلى الإسهام في تلبية الاحتياجات المجتمعية والتنموية، ورفع مساهمة القطاع اغير الربحي في الناتج المحلي.

 

 

نقلا عن الرياض