ظاهرة أسهم صرعات التواصل الاجتماعي تعود من جديد

21/08/2022 0
د. فهد الحويماني

تسمى بأسهم meme وهي كلمة إغريقية الأصل يقصد بها الشيء المقلد سريع الانتشار، الذي قد يكون مجرد فكرة أو رسمة أو مصطلح أو حتى لحنا موسيقيا أو أي شيء آخر يلاقي شعبية ويستخدمه الناس في كلامهم وكتاباتهم، فيقال هذا "ميم" سيئ أو جميل. هذا المصطلح وجد طريقه إلى عالم الأسهم أثناء أزمة كورونا في 2020 حين لم يجد بعض الناس من شيء يشغلون به أنفسهم سوى المضاربة في الأسهم. هذه الظاهرة العجيبة كانت مدوية بالفعل وبفضلها ارتفعت أسهم بعض الشركات عدة أضعاف في فترات قصيرة، وتلقى عدد من كبار المستثمرين المحترفين صفعات موجعة نتيجة عمليات البيع على المكشوف التي كانوا يقومون بها بحق بعض الشركات المتعثرة. في الأسابيع الماضية يبدو أن هذه الظاهرة عادت إلى حد كبير في الأسهم الأمريكية الأمر الذي أعاد إلى الأذهان ظاهرة أسهم الصرعات مرة أخرى. وفي الوقت نفسه هناك من يرى أن عودة أسهم الصرعات هذه دليل على فوران الأسهم وأن ذلك قد يعني أن الأسهم وصلت إلى ذروة سعرية هذه الأيام.

تنشأ أسهم الصرعات في منتديات الأسهم ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وعادة يقودها صغار المتعاملين الذين على الرغم من صغر حجم عملياتهم، إلا أن كثرتهم وتحركاتهم في وقت واحد تؤديان إلى نتائج غير متوقعة في حركة أسعار الأسهم.

هذه الأيام ينجذب صغار المضاربين في الأسهم إلى أسهم صرعات "ميم" بهدف تحقيق مكاسب سريعة، ولا سيما أن كثيرا من المضاربين تلقوا خسائر كبيرة منذ بداية 2020 إلى منتصف حزيران (يونيو)، تماشيا مع الهبوط الكبير في الأسهم الأمريكية. لذا هناك نزعة عارمة لدى البعض بهدف تعويض الخسائر، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فهناك كذلك ظاهرة ما يعرف بالخوف من فوات الفرص Fear of Missing Out، وهي ظاهرة نفسية عامة يعانيها كثير من الناس، خصوصا الشباب، وتنطبق في مجال الأسهم، كما تنطبق في مناحي الحياة الأخرى.

ظاهرة الخوف من فوات الفرص تأخذ أشكالا أخرى في الحياة الاجتماعية وقد قام بدراستها عدد من الباحثين في مجال علم النفس، ويقال إن برامج التواصل الاجتماعي من أبرز مسببات انتشارها. السبب في إلقاء اللوم على برامج التواصل الاجتماعي هو أنه بفضل سرعة انتشار المعلومة المدعومة بالصوت والصورة والفيديو، هناك عالم وهمي مضلل إلى حد كبير للحياة كما نراها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. لذا ينجذب البعض إلى السفر إلى بلدة معينة لكي يعيشوا الحياة التي رسمها لهم أحد المشهورين، أو تناول وجبة عشاء في المطعم الذي ترددت أخبار عن وجباته في أحد وسائل التواصل الاجتماعي، وهكذا، فتتولد هناك مشاعر خوف من فوات الاستمتاع بهذه الأشياء، فيقومون بتقليد الآخرين في سلوكهم وأنماط حياتهم.

الأمر نفسه يحدث في نقاشات الأسهم حين يتصدر المشهد أحد المعرفات المؤثرة ومن ثم يقوم بالترويج لأحد الأسهم، داعما رؤيته عن السهم بمبررات قوية، منها أن بعض "هوامير" المال يراهنون على إفلاس الشركة وأنهم قاموا من أجل ذلك بإجراء عمليات بيع مكثفة على المكشوف ما أدى إلى انهيار السهم، وبالتالي تجب معاقبتهم ومخالفة توجههم بالشراء المكثف للسهم. وحين ينتج عن عمليات الشراء ارتفاع في سعر السهم يضطر كبار المستثمرين إلى العودة سريعا إلى شراء السهم الذي سبق أن باعوه على المكشوف، فيرتفع السعر بشكل حاد.

رأينا هذه الظاهرة في عدة أسهم في 2020 ـ 2021، وهذه الأيام عادت الظاهرة مرة أخرى إلى سهم Bed Bath and Beyond، وهو سهم لسلسلة محال تجارية معروفة وقديمة تبيع منتجات منزلية متنوعة. شركة BBY واجهت صعوبات مالية بسبب أزمة كورونا وبدأت نتائجها المالية التدهور سريعا، فانخفضت مبيعاتها من أكثر من 12 مليار دولار في 2019 إلى دون سبعة مليارات دولارات هذا العام مع تحقيق خسائر بأكثر من 850 مليون دولار. وبسبب هذه النتائج المالية الضعيفة حدثت هناك حالات بيع على المكشوف تجاوز فيها عدد الأسهم المبيعة على المكشوف 100 في المائة من عدد الأسهم الحرة المتداولة. لذا تم استهداف هذا السهم من قبل جماعات أسهم الصرعات وبالفعل ارتفع سعر السهم من أقل من خمسة دولارات قبل أيام قليلة إلى 30 دولارا.

هناك عدد من الشركات المستهدفة من قبل جماعات أسهم الصرعات إلى جانب الأسهم المعتادة مثل AMC وGameStop، منها أسهم شركة الهواتف الرائدة في وقتها، شركة نوكيا التي يراهن هؤلاء على أنها ستعود إلى عصرها الذهبي، على الرغم من أن الشركة تفرعت في عملياتها وهي من الشركات الرابحة وتحقق نحو 24 مليار دولار مبيعات سنوية. وبالمثل هناك شركة بلاك بيري الشهيرة التي كانت هواتفها تملأ الأسواق، حيث كانت حصتها نحو 85 مليون هاتف بلاك بيري في 2013 ومن ثم انخفضت إلى أقل من 23 مليون هاتف في 2016، وإلى أقل من ذلك فيما بعد. إلا أن الشركة لا تزال تعمل ولديها مجالات عمل متنوعة، وتعلن بين الحين والآخر إنتاجها هواتف جديدة، لذا هناك من يراهن على أنها ستعود وبالتالي تصبح بين الحين والآخر من ضمن أسهم الصرعات.

وبسبب هذه الصرعات ظهر هناك عدد من الصناديق المتداولة المتخصصة في أسهم "ميم"، فهناك مؤشر تم تصميمه لرصد حركة هذه الأسهم بحيث يمكن معرفة توجه هذه الأسهم عموما. وفي وقت سابق كان هناك صندوق اسمه "لمن يخشى فوات الفرص"، تم إنشاؤه لهذا الغرض، إلا أنه لا ينجح. ويوجد هناك صندوق متداول اسمه BUZZ وهو مختص بالاستثمار في الأسهم التي لها صدى كبير في وسائل التواصل الاجتماعي.

غني عن القول إن هذه الأسهم وهذه الصناديق ليست للمستثمر المتزن، بل هي للمضارب الصغير الذي يبحث عن الإثارة وفرص تحقيق ربح عال مقابل القبول بخسارة جزء كبير من رأس المال خلال فترة قصيرة. وفي كل الأحوال من يتجه إلى هذه الأساليب يتجه إليها بنسبة قليلة من رأس ماله لعلمه بمخاطرها العالية.

 

 

نقلا عن الاقتصادية