الديون الأسرية.. والقاتل الاقتصادي

07/08/2022 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

تثير ديون الأسر في زمن كورونا وما بعده غضباً مكبوتاً في كل العالم، فهي تسلط الضوء ببساطة على الخلل الأزلي بين الإنفاق المطلوب والدخل المتاح، وعلى سبيل المثال، فقد ارتفعت ديون الأسر الأمريكية إلى 16.15 تريليون دولار في الربع الثاني من العام الجاري، وتشمل هذه الديون بالأساس قروض الرهن العقاري، وقروض السيارات، وقروض الدراسة، وبطاقات الائتمان، ومجمل الديون الاستهلاكية، حيث تعد هذه النوعية من الديون الملتهبة أحد أبرز الأشياء التي تراقبها البنوك المركزية عندما ترفع أسعار الفائدة، وهناك بالفعل قلق عالمي كبير بشأن طريقة التعامل مع هذا المعضلة الاقتصادية التي تتزامن مع استمرار قفزات التضخم.

والواقع، أن سوق الإسكان في أكبر اقتصادات العالم تشهد فتوراً كبيراً، بينما تتسبب زيادة فوائد القروض العقارية في تقليص القدرة الشرائية، وبالنسبة للأسر المثقلة بالديون، فإن الفاتورة ضخمة، فالأسر التي حصلت على قروض عقارية أضعاف دخلهم الإجمالي، وهي ممارسة غير شائعة عندما ارتفعت أسعار المساكن خلال الوباء، يمكن أن يشهدوا زيادة في مدفوعات الأقساط حتى عام 2024، ومع الرهون العقارية ذات السعر الثابت فلن يكون التأثير محسوسًا إلا بشكل تدريجي مع تجديد الرهون العقارية، أما الرهون العقارية ذات الأسعار المتغيرة فستشهد ارتفاعاً في المدفوعات بينما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة.

علاوة على ذلك، فإن غالبية الأسر في كافة المجتمعات تقريباً لا تملك منازل، بل تستأجر الشقق والوحدات السكنية، وبالتالي ليس لديهم رهن عقاري، وهذا يعني أن القليل من الأسر ستضطر للتعامل مع مدفوعات أعلى أو قروض رهن عقاري وفتح خطوط ائتمان لشراء المنازل، وستضطر هذه الأسر إلى دفع المزيد من الدخل الشخصي المتاح بشكل تراكمي بداية من 2022 إلى 2024 بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، وبالنظر إلى الدخل الحقيقي المتاح، فإن صدمة السداد يجب أن تبطئ الاستهلاك قليلاً، إلا أن هذه الصدمة في رأينا لا تكفي وحدها لدفع الاقتصاد إلى الركود.

عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاماً، كانت فقاعة الأصول العقارية واحدة من أكبر الفقاعات وأسرعها في الانفجار، فقد تراجعت قيم رأس المال في سوق المكاتب في لندن، وهو قطاع عقاري عالمي بارز، 25 في المائة، وإذا كانت أسواق العقارات مشهورة بالتقلبات الدورية، إلا أن انتعاش الأعوام الأخيرة كان دراماتيكياً بامتياز مثل ذلك الانهيار، وذلك بسبب التمويل الرخيص المستمر والبحث المستميت عن عوائد الاستثمار، كان كلا العاملين نتيجة لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية من البنك المركزي، التي استخدمت أولا لتعزيز الانتعاش بعد 2008، ثم لتفادي التراجع الكارثي عندما انتشرت الجائحة بضراوة.

يخبرنا التاريخ أن كل انتكاسة في أسواق العقارات تتبعها طفرة، ولكن، بعد إغلاق صنابير المال الرخيصة وتشديدات البنوك المركزية، وفي مقدمتها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبنك إنجلترا، والبنك المركزي الأوروبي، فإن على وكلاء العقارات الاعتراف بأن الأوقات الجيدة قد ولت، والسؤال عن مدى سوء الأمر، فالتباطؤ ملحوظ في كل مكان بسبب تسارع ارتفاع الفائدة بشكل مفاجئ، وبالتالي يمكن ملاحظة زيادات قياسية في ديون الأسر التي تعاني في الغالب الأعم وطأة تراجع النمو في بلادها.

بكل تأكيد، نحن نشاطر المراقبين الاقتصاديين القلق بشأن مخاطر الركود، لأن صدمة السداد هي إحدى السبل التي يمكن أن تؤثر بها المعدلات المرتفعة على الاقتصاد، كما أن الثروة العائلية ستتأثر أيضًا من خلال هبوط البورصات المالية وأسواق الإسكان ، الأمر الذي سيزيد من إضعاف الثقة، ليس فقط لدى المستهلكين، ولكن أيضًا في الشركات والصناعة، ولا شك أن ارتفاع أعباء الديون الأسرية سيوجه ضربة قاصمة للاستهلاك، الأمر الذي سيلقي بظلاله على النمو، حيث يمثل الإنفاق الاستهلاكي أكثر من نصف حجم الاقتصاد في معظم دول العالم.

 

خاص_الفابيتا