الخير والشر، الأمانة والخيانة، ثنائيات موجودة منذ أن وجد الإنسان، والصراع بين هذه الأضداد منذ بدء التاريخ وسيستمر باستمرار الحياة، ما دام الإنسان يحمل بداخله الاستعداد الدائم لحفظ القيم الأخلاقية العليا والتزامها أو إهمالها وتركها. والساعون في طريق النجاح المالي إما من هؤلاء وإما من هؤلاء، من يسعى محافظًا على القيم العليا، ومن يسعى ضاربًا بها عرض الحائط.
ولذلك فالاحتيال والغش والخداع المالي لم يخل منه زمن، ومع كل أنماط تبادل المال والمنافع عبر الزمن وجدت أنماط من المخاتلة والمكيدة التي تحاول اختصار طريق الثروة وأخذ ما ليس من حقها، معتمدة على طيبة الناس وبراءتهم وجهلهم، أو متكئة على حاجتهم واضطرارهم.
ويشهد عالم المعاملات المالية قفزات متتالية وتحولات رقمية عظمى، بحيث أصبحت بعض العمليات المصرفية الكبيرة تبدأ وتكتمل دون زيارة البنك، بل دون الحديث مع موظف واحد من موظفيه! كل ذلك نتيجة للعلاقة المتينة بين شبكة الإنترنت وأجهزة الاتصال الذكية والتطبيقات المصرفية التي أنتجت عالَمًا من الإمكانات غير المسبوقة.
وكلما ازدادت الحياة تطورًا وازدادت تلك الإمكانات سرعة وضخامة وقوة؛ تزداد معها طرق الخداع والغش. ولا يكاد يمر يوم إلا ويصادفك في المجالس أو عبر وسائل التواصل حديث عن احتيال جديد وضحية جديدة، أرقام مخيفة ومحزنة، ادخار العمر يذهب في طرفة عين، أرباح تجارة نمت في سنوات تختفي في لحظات، ولا يمكن استردادها. ثم ما يتبع تلك الخسائر الهائلة من آثار صحية لا تزول، وجروح نفسية واجتماعية لا تندمل، هذا بالإضافة إلى بعض العقوبات القانونية والمطالبات التي لا يعرف لها الضحية سببًا، أو الأحكام بالسجن وكف اليد وغيرها. كل ذلك بسبب خدعة تنطلي علينا فنسلم المحتالين بعض معلوماتنا المصرفية، ولا ندري أننا فتحنا لهم كل الأبواب لحساباتنا المالية وجعلناها تحت تصرفهم.
الحكومة والمصارف والمؤسسات المالية تقوم بدورها التوعوي التحذيري، وتبث رسائلها عبر وسائل الإعلام المختلفة الرسمية وغير الرسمية، وتخصص لهذا الشأن البرامج والندوات واللقاءات، وترسل رسائلها مباشرة إلى الناس عبر هواتفهم، ومع كل وسيلة خداع جديدة تزداد حملات التحذير والتنبيه، ولكن كل هذا لا يكفي ما دام المرء متساهلاً في إتمام معاملاته المالية دون استشارة، واضعًا ثقته بكل سهولة في من يعرض عليه منتجًا بسعر مميز، أو استثمارًا رابحًا في وقت قصير، ويسلمه بعض معلوماته السرية كرقم بطاقة الصراف، أو الرقم السري، مع بقية المعلومات المتعلقة به، بل ويصل الأمر إلى تسليمه الرقم السري المؤقت الذي يصل إلى جواله لتتم العملية!
ومن هنا أتى دور لجنة التوعية والإعلام بالبنوك السعودية في زيادة وعي المجتمع بالحفاظ على سرية معلوماتهم والحرص على عدم إفشائها في حملة (خلك حريص) التي لاقت تعاونًا كبيرًا من البنوك السعودية في إرسال رسائل توعوية للمستفيدين وبمشاركة عدد من المجمعات التجارية وشركات التوصيل، ولم يبقَ لنا إلا أن نكون أكثر حرصًا وانتباهًا من جديد طرق الاحتيالات البنوك تؤكد مرارًا وتكرارًا أنها لا تطلب من العميل أي أرقام سرية، ولا يمكن أن يكون الذي يطلب تلك المعلومات من موظفي البنك، والبنوك ليس من مصلحتها أن تكون في محل مشكوك فيه أو تهتز ثقة العملاء بها. والبنوك تطور من أمان مواقعها، وتزيد من صعوبة الغش والخداع، وتكثف من طرق التأكيد والتأكد من أن العميل هو الطرف الآخر في أي عملية. ولكن ما زال الأبرياء يقعون ضحية من ينتحلون شخصيات موظفي البنوك، ويطلبون المعلومات السرية، ويتلقونها بكل سرور. ومع التطور في تطبيقات الأجهزة الذكية وسهولة إنشاء المواقع الشبيهة بمواقع البنوك من حيث الشكل الموحي بالثقة، يزداد عدد الضحايا الذي يضعون بياناتهم بأيديهم في تلك المواقع المزيفة، ولا يدرون أنها مجرد واجهة للحصول على البيانات والدخول إلى حساباتهم وإجراء العمليات البنكية الكاملة بأسماءهم دون علمهم.
فمهما بلغت درجة الأمان والاحتياط والموثوقية في إجراءات البنك لتأمين عمليات عملائه، فإن على العميل مسؤولية كبرى أن يكون على قدر من الحيطة والانتباه، وأن لا يكون هو حصان طروادة الذي يخترق أقوى الحصون ويخربها، بل هو أسوأ من حصان طروادة، حيث يخرب الحصون التي تحاول حمايته هو! وعي العميل مسألة محورية وجوهرية، ولا يمكنني التعبير بما يكفي لوصف ما لهذا الوعي من أهمية، وأقل دراجات الوعي أن يكون لديك من تثق به من أهل الوعي والخبرة، بحيث لا تجري أي عملية مالية غير معتادة إلا بعد استشارته وأخذ رأيه. وكذلك أهل الوعي والخبرة عليهم مسؤولية كبرى في توعية من حولهم، وخصوصًا كبار السن أو من ليسوا معتادين على التعاملات البنكية عبر الهاتف والإنترنت، هؤلاء بسبب براءتهم وقلة تجربتهم قد لا يخطر في بالهم أبدًا أنهم عرضة للاحتيال، وهنا الدور الكبير على أهل الخبرة في تكرار التحذير والتنبيه وعرض بعض صور الاحتيال المالي على من حولهم ليكونوا على حذر، وأختم حديثي ببعض الإشارات العامة لما ينبغي الحذر منه:
حين يتعلق الأمر برسالة جوال من البنك، فبإمكانك بسهولة الاتصال بالبنك للتأكد من كون الرسالة حقيقية أم وهمية. وإن كان الرابط المرفق بالرسالة لا يحمل اسم البنك في بدايته، فلا تتسرع بالضغط عليه. يمكن أن تصلك رسالة تحمل اسم البنك وتكون مزيفة، تأكد من أن الرسالة ليست وحدها وأنها من نفس الاسم الذي أرسل لك رسائل البنك المعتادة. إذا وصلتك رسالة من البنك لكنها من رقم جوال عادي فهذا دليل أنها مزيفة، فلا تستجب لها وسارع بالتبليغ عن الرقم.
أما فيما يخص الرسائل الدعائية والمكالمات الهاتفية، فبمجرد أن يطلب منك الموقع أو الشخص أرقامك المصرفية السرية فهذا دليل على أنه محتال، لا تستجب لأي موقع تجاري يرسل لك رابطًا ويطلب منك رمز التحقق ما لم يكن من المؤسسات الرسمية في البلد. احذر من المكالمات أو المواقع ذات العروض المغرية الغريبة، أو التي تخبرك أن وقت العرض محدود، أو التي تطمعك باستثمار بعوائد عالية جدًا، وإذا مشيت معهم في الخطوة الأولى وطلبوا معلوماتك البنكية فتوقف مباشرة.
ودائمًا وأبدًا، استشر أهل الخبرة والتجربة والوعي و #خلك حريص.
خاص_الفابيتا