"الصين قد تحتاج إلى 100 عام حتى تستعيد تايوان إلى الوطن الأم" ... هكذا و قبل نصف قرن أطلق زعيم الصين التاريخى ماوتسى تونج رؤيته الصبورة للتعامل مع أزمة الجزيرة الانفصالية الثمينة التى لن تتخلى عنها بلاده، و لكن ماذا جرى فى نهر نصف تلك المدة حتى تعود قضية تايوان إلى واجهة الأحداث العالمية بقوة على خلفية الجدل حول زيارة رئيسة مجلس النواب الامريكي نانسى بيلوسى إلى تايبيه.
أولا ... فى عام 239 ميلاديا خطت أول قوات نظامية من الصين الى تايوان و منذ ذلك التاريخ و على مدار 17 قرن تقريبا كانت الجزيرة تابعا أصيلا لبكين باستثناء فترة استعمار هولندا لتايوان لستين عاما انتهت فعليا عام 1683 بعودة سيطرة الصين مجددا حتى عام 1895 حين احتلت اليابان تايوان بعد تنازل الصين عنها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
ثانيا ... فى عام 1949 هرب القائد الصينى "تشيانج كاي" الى تايوان ليشكل حكومة و يلقى دعما امريكا فى عام 1954 بالدفاع المشترك عن البلاد التى حاولت تمثيل الصين كلها دوليا حتى عام 1971 فى مواجهة النظام الشيوعى فى بر الصين الرئيسى الذى انتصر باستعادة اعتراف كامل من الأمم المتحدة كمثثل وحيد و شرعى للشعب الصينى فى أكتوبر من نفس العام.
ثالثا ... و منذ عودة العلاقات الرسمية بين واشنطن و بكين فى عام 1979 لم يكف الطرفان عن اللعب بورقة تايوان، فالاولى قطعت علاقتها الرسمية نظريا مع الجزيرة و عززت بعدها من تواجدها الاقتصادى و السياسى و الدعم العسكرى، و الثانية قدمت عرضا بدولة صينية واحدة و لكن بنظامين و انفتحت اقتصاديا على تايبيه، و أقرت قانونا فى عام 2004 بحق استخدام الطرق غير السلمية لمكافحة الانفصال التايوانى تفعيلا لمبدأ الصين الواحدة " تعترف بتايوان دبلوماسيا 15 دولة نامية فقط حتى الآن ".
رابعا ... منذ عام 2016 و حتى الآن بات واضحا التغير المعلن فى السياسة الامريكية تجاه تايوان مع الالتزام الظاهرى فقط بوحدة الصين التى انتفضت غاضبة من مجرد تهنئة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" لنظريته التايوانية "تساي إنج ون" بفوزها بالانتخابات الرئاسية، بل وزاد ترامب بعد ذلك برفع وتيرة التجارة مع تايبيه بنحو 5% و إعاقة بعض التقدم التقنى فى الصين بحرمان شركة "هواوي" من رقائق التكنولوجيا الفائقة القادمة من شركة "تايوان لأشباه الموصلات TSMC "، فضلا عن مناوشات بحرية أمريكية مستمرة فى بحر الصين الجنوبي و تأكيد ترامب على أن تايوان هى الديموقراطية الوحيدة فى العالم الناطقة باللغة الصينية.
خامسا ... تلعب الرئيسة تساى دورا مهما مناهضا للصين من تنمية مشاعر الانفصال بقوة لدى التايوانيين، و تذكير العالم سنويا بأحداث الميدان السماوى حيث أفضت القوة الساحقة للسلطات الصينية إلى مصرع اكثر من 10 الاف متظاهر من الطلاب و العمال عام 1989، مرورا بتعزيز مستمر لشراكات بلادها الاقتصادية و العسكرية مع الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة، وصولا لتأكيدها الكامل على دعم الغرب لجيش تايوان المؤلف من 300 ألف جندى بميزانية تصل إلى 11 مليار دولار سنويا.
سادسا ... يبدو أن صبر الصين الاستراتيجي أخذ فى النفاذ بشأن تايوان فمنذ مطلع 2019 و التصريحات التحذيرية تأتى من أعلى مستويات الدولة، فالرئيس "شى جين بينج" يؤكد على أن اعادة تايوان لحضن الأم أمر لا مفر منه حتى لو اضطر لإستخدام القوة العسكرية ضد من يدعمون تايوان انفسهم، فضلا عن كثافة اختراقات الصين السيبرانية و الجوية للمجال التايوانى منذ سبتمبر 2020 حتى اليوم، و عودة تحذيرات بينج من لعب الغرب بنار تايوان و رفض إدارته لإى زيارات رسمية دولية للجزيرة الانفصالية مع رفع استعداد الجيش الصينى "3.8 مليون جندى بميزانية 230 مليار دولار سنويا" لاستعادتها، فماذا تفعل ذبابة فى مواجهة دبابة على حد وصف الصحف الصينية للمواجهة المرتقبة مع تايوان.
سابعا ... أمثلة الماضى القريب قد تكشف عن ما يحدث قليلا، ففى 3 مارس الماضى اعتذرت رئيسة تايوان لمواطنيها عن انقطاع كبير للكهرباء طال خمسة ملايين أسرة و هبط بمستوى الاتصال بالإنترنت إلى 68%، جاء ذلك متزامنا مع زيارات متعددة لمسئولين أمنيين أمريكيين أهمهم مايك بومبيو وزير خارجية أمريكا فى عهد ترامب و رئيس استخباراتها فى عهد أوباما، لتذهب بعض التحليلات إلى ان هجوم سبيرانى صينى على محطات الطاقة فى تايوان هو سبب الحادث الذى عاشته البلاد كثانى أسوء انقطاع للكهرباء خلال خمس سنوات مضت.
ثامنا ... فى ظل أتمتتة الأسلحة العسكرية و الصناعات الاستراتيجية تتحسب الدول الغربية لغزو صينى محتمل لتايوان بتخفيف اعتماداتها الاقتصادية على بكين تدريجيا من ناحية و فرد ميزانيات ضخمة لتوطين تكنولوجيا أشباه الموصلات التى تتزعم ريادتها تايوان عالميا عبر شركتها العملاقة TSMC الاعلى قيمة آسيويا بنحو نصف تريليون دولار و المنتجة لأكثر من 90% من أشباه الموصلات و الرقائق الإلكترونية عالميا، فتوقف تلك الصناعة الهامة فى تايوان يعنى حسب التوقعات انهيار لأسهم شركات التكنولوجيا الكبرى حول العالم التى سيتوقف انتاجها ما بين سته أشهر الى سنة على أفضل تقدير ، ناهينا عن تفشى واسع للتضخم و الركود معا .
ختاما ... يبدو أن العالم يستعد لمشاهدة علنية فى صراع الانتقال الخشن للقوة من واشنطن إلى بكين ،و لكن الى أى مدى يتحمل الطرفان و من خلفهما العالم تبعات ذلك ؟! ... ليبقى السؤال مفتوحا على على مشهد تايوان و أخواتها بين القوى الكبرى.
خاص_الفابيتا