تواجه اقتصادات غالب الدول والاقتصاد العالمي عموما مشكلات كبيرة. على رأس هذه المشكلات مديونيات كبيرة، وانتشار فقر، وتوترات جيوسياسية، أي توترات سياسية ذات منشأ جغرافي. هناك خلافات مصالح مؤثرة. ومما نتج من كل ذلك اضطرابات ونقص في الإمداد لسلع كثيرة وفي سلاسل الإمداد لتلك السلع، وليس في أصل توافر السلع. وفي هذا قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان "لا نرى نقصا في النفط بالسوق وإنما نقصا في طاقة التكرير". وهناك معدلات تضخم مرتفعة.
كيف يسير التضخم؟ كيف تسير مديونيات الدول؟ ما السياسات المفترض تبنيها وتطبيقها لتخفيف مشكلات العالم الاقتصادية؟ كيف تطبق وما عوائق التطبيق؟ تساؤلات تطرح في كل وقت وزادت قوة طرحها في وقتنا.
تطرح تلك التساؤلات نفسها على العالم. تطرح طالبة عقد المؤتمرات والتفاهم والتعاون بين البشر للمناقشة وبحث العلاج بجدية. ولبلادنا دور قيادي في السعي نحو قيام تفاهم وتعاون مثمرين في مجالات، منها الأمن والطاقة.
من العوامل المؤثرة على مدى فهم ونجاح الجهود فهم الروابط فهما جيدا. ذلك أن مصالح الدول تتداخل تأثرا وتأثيرا. وهناك قول مأثور متداول عبر الأعوام "حين تعطس أمريكا تصاب أوروبا بالبرد". ومع التطورات، لنا أن نعمم هذا القول بأن مرض الاقتصاد العالمي يصيب جميع الدول. والعوامل الدافعة تجاه هذا التعميم كثيرة. يقف على رأسها موضوع الروابط. وتشهد علاقات الدول الاقتصادية على مدى الأعوام تطورات تحت روابط ولها تأثيرات بالطبع. وفي وقتنا، فإن ما يحدث بين روسيا والغرب مثال واضح.
هناك مجموعة روابط تتفاوت قوة وتأثيرا. من العوامل نمو وتوسع الاقتصادات والعولمة وحسابات رأس المال ومعدلات الفائدة والادخار والاستثمار.
نمو وتوسع الاقتصادات يزيد من تأثر الدول ببعض مع العولمة والتقدم الصناعي والتقني. لنأخذ قرارات أمريكا برفع معدلات الفائدة لمكافحة التضخم. هذه السياسة لها تأثير سلبي ليس فقط على نمو الاقتصاد الأمريكي، بل حتى على العالمي. رفع الفائدة يقلل من قوة الطلب في أمريكا لانخفاض حجم التمويل. وارتفاع التكلفة ونحو ذلك. هذا التقليل يعني ضمن ما يعني أن تقل مستوردات أمريكا التي هي صادرات من دول أخرى، أي أن اقتصادات دول أخرى ستضرر.
أما حسابات رأس المال ومعدل الفائدة فتعمل طبعا من خلال تدفق الأموال بين الدول. فائدة أعلى في بلد ما كما حصل أخيرا في أمريكا تجتذب مزيدا من الأموال من الخارج. ويضغط هذا في الدول التي خرجت منها الأموال تجاه رد فعل كرفع الفائدة. ورفع الفائدة يدفع تجاه رفع قيمة عملة الدولة ذات الفائدة الأعلى. وهذا أحد أسباب ارتفاع قيمة الدولار تجاه عملات كثيرة على رأسها اليورو. كما يضغط رفع الفائدة تجاه خفض التضخم، لكنه في المقابل يدفع تجاه زيادة الواردات وخفض الصادرات لأن سعرها زاد مع زيادة قيمة العملة.
هناك علاقة وارتباط بين ما سبق والادخار والاستثمار. ما سبق بين كيفية اندفاع صدمات الدورات الاقتصادية في الاقتصاد العالمي. وهو مؤثر أيضا في الادخار والاستثمار المحلي في الدول. لو انخفض صافي الادخار المحلي، فما تأثير ذلك على الاستثمار المحلي؟ على استثمار الأجانب محليا؟ من المتوقع أن انخفاض الادخار يقلل من حجم الاستثمار المحلي. وهذا الضعف يقابل بزيادة في الاستثمار من الخارج. والعامل المشترك في كل الأحوال قدرة رأس المال على الحركة بين الدول بسهولة.
الإنتاجية عامل أساسي في حركة رأس المال. وجود إنتاجية عالية في دولة ما محفز قوي في جذب رأس المال الأجنبي لتلك الدولة.
لكن كل ما سبق عرضة لمشكلات تزيد أو تقل حدة، حسب ظروف كل دولة واقتصادها.
من المشكلات ضعف جودة السوق. تعاني بعض الدول فشلا سوقيا بصورة أقوى من دول. ومن المشكلات وجود عوارض وموانع خارجية، ووجود أهداف متعارضة داخل الدول أو بينها.
كثرة المشكلات والأزمات تستدعي تبني سياسات داعمة. هناك حاجة إلى توثيق التنسيق والتعاون العالمي في قضايا كثيرة، مثل تغير المناخ، والضرائب بين الدول، والفساد، والأمن الإلكتروني، والفرص والتحديات المصاحبة للتقنيات في مجال المدفوعات الرقمية.
أساس جودة التنسيق والتعاون بين الدول الاجتهاد قدر الإمكان في تطبيق قاعدة "لا ضرر ولا ضرار".
ما معنى القاعدة وما دليلها؟
إن أعمال البشر لا تخلو من جلب منافع لأطراف وإحداث مضار لأطراف أخرى. والمطلوب توخي التوسط بين البشر في أعمالهم وتعاملاتهم تعظيما للمحاسن وتقليلا للمفاسد قدر الإمكان. وفي هذا قال النبي- صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار". وهو حديث نقله جمهور أهل العلم الشرعي، واحتجوا به.
أمثلة لحالات متفرعة من القاعدة: الضرر لا يزال بمثله أو أعلى منه ــ الضرر يدفع قدر الإمكان ــ ترتكب أدنى المفسدتين دفعا ومنعا لحدوث مفسدة أكبر ــ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وفي تقرير صندوق النقد الدولي الدوري "آفاق الاقتصاد العالمي" نصائح للدول بتبني سياسات حقيقتها من قبيل لا ضرر ولا ضرار، ولكن كثيرا من الناس لا يعجبهم ذلك، فهم ينظرون لمصالحهم فقط، والإنسان هلوع بطبعه.
نسأل الله أن يصلح الأحوال.