في الوقت الراهن لا توجد مقارنة بين البيئة المهيأة أمام رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة الواعدة على كل المستويات، وتحديدا في الجانبين التنظيمي والتمويلي، وبين ما كانت تواجهه قبل أقل من عقد زمني مضى، كانت تفتقر إلى كثير من المحفزات والدعم والتسهيلات الممكنة لإثبات وجودها على الأرض، ولنموها وتوافر القدرة اللازمة لتوسع نشاطها.
ولا يعني أن ما أصبح يحظى به رواد الأعمال الناشئة والواعدة من خيارات واسعة على مستوى تمويل منشآتهم أنهم وصلوا إلى نهاية طريق المشاق والصعوبات بالنسبة إليهم، بل عنى ذلك في المقابل ارتفاعا موازيا في درجات المخاطرة بالقدر ذاته، أو حتى أعلى مما أصبح ميسرا من حيث التمويل بمختلف أشكاله المتعارف عليها خلال الفترة الراهنة، وهو ما يوجب على رواد الأعمال وكل من ينوي خوض هذه التجربة الطموحة بكل فرص نجاحاتها ومخاطرها على حد سواء، أن يعلم أن الطريق ليس ممهدا بالورد والأحلام المتفائلة فقط، كما قد يظن عديدون، بل ستجده ممتلئا بكثير من الأشواك والتحديات والمخاطر، ويقوم الاعتماد الأكبر لأجل خوض هذا الطريق بنجاح واقتدار، على كفاءة وحسن اتخاذ القرار من قبل رائد الأعمال، الذي عزم أمره على تحويل فكرة مشروعه إلى كيان مجسد على أرض الواقع، ويطمح إلى نموه واتساعه إلى ما شاء الله له أن يصل إليه في المستقبل،
انتقل التحدي الأكبر على رواد الأعمال من مهمة الحصول على التمويل اللازم لمشاريعهم الناشئة، التي كانت سابقا أحد أكبر التحديات أو المعوقات، إلى كيفية حسن وكفاءة إدارة مشاريعهم، وآلية توظيف وإدارة الموارد المالية المتاحة لديها من خلال مختلف مصادر التمويل الراهنة، التي من أهمها وأبرزها: المستثمر الملائكي فردا أو مجموعة، حلول التمويل الجماعي، مستثمرو رأس المال الجريء "شركات، صناديق استثمارية"، الاقتراض المباشر من الجهات التمويلية "بنوك، شركات تمويل". كما يتمتع كل نوع منها بمزايا معينة بالنسبة لرواد الأعمال والمنشآت الواعدة، فمقابل تلك المزايا حسب كل مصدر للتمويل، توجد أيضا متطلبات ومسؤوليات واجبة ولازمة، لا مجال أو فرصة لتخارج رائد الأعمال والمنشآت الواعدة من تحملها، والضرورة القصوى للوفاء بها كاملة من غير نقص.
إنه الجانب الأكثر أهمية بالنسبة لرواد الأعمال والمنشآت الواعدة، والجانب الذي يجب وضعه في مقدمة أولويات أصحاب المشاريع الناشئة، كونه المصدر الأول الذي يهدد إهماله أو التراخي بشأنه نجاح المنشأة الصغيرة والمتوسطة، وما سيؤدي الفشل في التعامل معه باحترافية وخبرة كافيتين، إلى سقوط المنشأة في مستنقع من الورطات. وهو الأمر الذي أولته الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة «منشآت» اهتماما عاليا من خلال حملتها التوعوية "التمويل الصح"، التي استهدفت إضافة مزيد من المعلومات والإيضاحات اللازمة لأي رائد أعمال في بداية طريق تأسيسه مشروعه الواعد. لهذا يقع على عاتق رائد الأعمال قبل الإقدام على أي من خيارات تمويل منشأته أن يفحص ويبحث بتأن تام في كل نوع منها "مزاياه، مسؤولياته"، ويستعين بالخبرات المتوافرة قبل اتخاذ أي قرار بخصوص أي من خيارات التمويل "المستثمر الملائكي فردا أو مجموعة، حلول التمويل الجماعي، مستثمرو رأس المال الجريء "شركات كبرى، صناديق استثمارية".
حيث يتصف الاستثمار الملائكي، بكونه يتمثل في مستثمر أو مجموعة مستثمرين أفرادا أو منظومة معينة توفر التمويل الأولي للمنشآت، وكل ذلك مقابل حصص ملكية في المنشأة، ويتوقع أن يقوم هذا النوع من الاستثمار التمويلي ببيع حصته وجني العوائد على استثماره بمجرد توسع المنشأة وارتفاع قيمتها السوقية. وقد تصل قيمة التمويل الاستثماري هنا إلى نحو 1.0 مليون ريال أو أعلى بقليل، ويمتاز هذا النوع بسرعة إيداعه لاستثماره في حساب المنشأة المستثمر فيها، بمعنى أنه يأتي زمنيا مع أولى مراحل تأسيس المنشأة، ودعمه سرعة اتخاذ القرارات، إضافة إلى إمكانية تقديمه مختلف جوانب الدعم الفني والخبرات والعلاقات اللازمة.
أما فيما يتعلق بحلول التمويل الجماعي، فيعد أحد الطرق الحديثة والمبتكرة التي عملت على توظيف التقنية المالية في مجال جمع وتوفير التمويل اللازم لرواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال عملية بيع أسهم ملكية في المنشأة لمصلحة شريحة واسعة من المستثمرين عبر عرضها على المنصات الحديثة الخاصة بالتمويل الجماعي. ويصل الحد الأقصى للتمويل الاستثماري المتاح وفقا لهذا النوع إلى نحو 10.0 ملايين ريال، وفقا للأنظمة المعمول بها في المملكة، خلال عام واحد على مدار جولتين استثماريتين، وهو ما يفوق النوع الأول بعشرة أضعاف حجم التمويل، إلا أنه يستغرق زمنا أطول حتى يتم إيداعه لدى المنشأة المستثمر فيها، كما يمتاز بإمكانية الاعتماد عليه في مراحل زمنية مختلفة من عمر المنشأة، وحسب تطور أعمالها ونشاطها. وبالنسبة لاتخاذ القرارات، فلرائد الأعمال الخيار بإشراك المساهمين فيه أو لا.
أخيرا: فيما يتعلق بالاستثمار الجريء ممثلا في الشركات الكبرى والصناديق الاستثمارية المختصة في هذا المجال التي تقدم من خلاله تلك الجهات الممولة له كاستثمار عالي المخاطر بالنسبة إليها، في المنشآت الصغيرة والمتوسطة بناء على تقييم مستثمري رأس المال الجريء بامتلاك تلك المنشآت فرصا واعدة ومتنامية بصورة استثنائية عن غيرها في الأجل الطويل، ويمتاز هذا النوع بعدم وجود حد أقصى لحجم تمويله الاستثماري، وبما يفوق الحدود القصوى لما سبق من خيارات تمويلية تمت الإشارة إليها أعلاه، وتضمنه مزيجا من الدعم النقدي والفني وتسخير القوة السوقية للممول لمصلحة المنشأة، إلا أن إيداع الاستثمار يستغرق زمنا أطول مقارنة بما تقدم من خيارات تمويلية أعلاه، كما سيواجه رائد الأعمال تحت هذا الخيار فقدانه الحصة الأكبر من منشأته، إضافة إلى فقدانه الجزء الأكبر من قدرته على اتخاذ القرار مقارنة بما تقدم من خيارات، وهذه بالتأكيد إحدى ضرائب "إذا صح التعبير" حصوله على تمويل استثماري يتجاوز 10.0 ملايين ريال كأقصى حد يمكن توفيره من الخيارات السابقة أعلاه!
مما تقدم: سيجد رائد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة نفسه أمام خيارات تمويل استثمارية متنوعة، تمتاز بمزايا معينة، وتخضع لقيود وضوابط في المقابل، والملاحظ أنه كلما ارتفع حجم التمويل الاستثماري ارتفعت الأعباء والمسؤوليات على عاتق المنشآت التي تحصل على التمويل، وهذا يدفع بالأهمية القصوى لدراسة رواد الأعمال دراسة جيدة لتلك الخيارات التمويلية قبل الإقدام على أي منها، والتعرف جيدا على ما يحتاج إليه التنفيذ الجيد والأجدى لفكرته الاستثمارية بين تلك الخيارات التمويلية، واختيار الأنسب من بينها، لا بناء على ضخامة التمويل المتوقع حصده، بل بناء على فهمه الدقيق لقدراته ومهاراته وخبرته أولا، وبناء على ما يحتاج إليه فعليا مشروعه الناشئ الذي يطمح إلى النمو به وتعظيم حجمه ونشاطه.
نقلا عن الاقتصادية