زرت قصور العثمانيين في إسطنبول، ورأيت الأجانب يطوفون حول القدور التي في المطبخ ويتعجبون من حجمها الهائل فيما يظنون، وتعجبت شخصيًا بشكلٍ مغاير، لأن قدور أولئك الذين كانوا يحكمون نصف الدنيا، أصغر من أصغر قدر في المطابخ التجارية الكبرى لدينا.. لدينا أنواع من القدور في تلك المطابخ هائلة الحجم والاتساع والارتفاع: يكاد يطفح فيها البعير ويسبح الفيل..
وفي كثير من ولائمنا عامة، وحفلات الزواج خاصة، تجد على كل صحن بعير صغير، والصحن، هو الآخر أكبر من الصحون التي رأيتها في تلك القصور عدة مرات..
بربكم أليس هذا بإسراف مكروه وتبذير ممقوت؟؟ ويزيده مقتًا الضرب فيه بالخمس حتى يتبعثر ويتلوث ولا يعود الباقي منه صالحًا للأكل أو التقديم للمحتاجين، مع أن الباقي ضعف المأكول، لكنه قد عاثت فيه الأظافر والأسنان، وأصابه لعاب الآكلين، وصار ممزق الجهات مشوه الشكل يؤذي العيون عند النظر ويسد النفوس عن الأكل ..
وفوق تلك الأدواء يصيب الآكلين بالسمنة والضغط والنقرس والسكر والكوليسترول، وإذا كان ختام ذلك الأكل الضار أنواع من الحلويات الغارقة في السكاكر والدهون ..وبعد معها مشروبات غازية كلها سكر ..كملت!..
ونحن نفخر بتقديم الخرفان السمان ذات الشحوم المتراكبة، والحواشي التي فوقها شحوم متراكمة، وهي لم تسمن من مراع صحية وعشب نضير، بل من أخلاط الأعلاف وبقايا الخبز وفضلات الطعام، مما يجعل شحومها أكثر ضررًا، هذا إن لم يُحقن بعضها بهرمونات..
والطباخ لا يهمه صحة الناس، يهمه أن يكون الأكل لذيذًا ليروج سوقه، فهو في الغالب يطبخ الأرز والجريش والقرصان على مرق الخرفان والبعارين، وبعضهم يشتري اليات الغنم (جمع لية) والشحوم التي يستبعدها الجزارون حسب طلب الزبون، يشترونها بأرخص الأثمان ويوقد الطباخون عليها النار طول الليل حتى تصبح ذائبة (دهون مشبعة مليئة بالكوليسترول) ثم يسكبونها في طبخ الولائم، ومثلهم كثير من المطاعم، وتقدم تلك الدهون الحيوانية داخل الأرز والجريش والقرصان، مع مرق الحواشي والخرفان السمان، تقدّم حارة ذائبة لا يُعرف مقدارها الرهيب ولا أضراراها المخيفة في طعام كأن بداخله ألغام، ألغام تنفجر بعد حين في القلوب والشرايين..
وقد أجريت تجربة حية: أخذت عينات من تلك الولائم في أطباق ووضعتها في الثلاجة، وحين رأيتها في الصباح (مسكت راسي) من هول ما رأيت: لقد تحولت بيضاء تعلوها (صلوخ) من الدهون المتجمدة كأنها قوالب ثلج .. قلبت الأطباق فإذا الدهون البيضاء اليابسة موجودة فوق وفي النصف وفي كل ناحية وربما كانت أكثر من الأرز والجريش والقرصان، هذه الدهون غالبًا تتجمد في عروق الآكلين بعد حين لتسد الدورة الدموية وتغطي القلب والكبد والكلى وبقية الأعضاء وتنفخ الكروش وتنذر بالموت..
خلاصة الموضوع أن كثيرًا منا مسرفون، وأن أكثر طعام الولائم والمطاعم، عدو للصحة مبين، وأن الأسلوب الصحي السليم تقديم الطعام على شكل «بوفيه» وبلا إسراف ولا تفاخر، وتغليب الأكل الصحي كالسلطات والخضار واستخدام زيت الزيتون بدل الدهون والفواكه بدل الحلويات، والماء بدل المشروبات الغازية، ويأخذ كل مدعو كريم على قدر حاجته من البوفيه ويأكل على مهل، فيظل الباقي سليمًا صحيًا صالحًا للمحتاجين، مع الحرص على صحة المدعوين، فليس من الإكرام في شئ تقديم ما يضر صحتهم ويدمر سعادتهم عاجلًا أو آجلًا..
إن رؤية أحجام القدور لدى الطباخين عندنا، وضخامة الصحون وما عليها في أكثر الولائم دليل صارخ على عدم الوعي الصحي وعلى شدة الإسراف، والله لايحب المسرفين..
نقلا عن الرياض
تصوير دقيق لحال الولائم في مجتمعنا ومافيها من اسراف وقلة وعي .. بارك الله فيك استاذ عبدالله ودام قلمك المبدع
هذا من الكرم ياستاذ عبدالله لكنه متوارث من ايام الجوع ودخل مرحلة الهياط والزمن تغير الناس ماعادوا زي رمان الان يشتكون من السمنه وامراضها من كثرة الاكل والحمد والشكر لله