في السعودية اقترب وقت التعداد السكاني لسنة 2022 ميلادية من نهايته. ولي ذكريات متعددة مع التعداد السكاني منها الجاد ومنها المضحك، فمما يشاع في أواسط السعوديين أن التعداد السكاني لسنة 1975 ميلادية بلغ 3.5 مليون نسمة. فأمر الملك فيصل بتجاهل الإحصاء في بلد بلغت مساحته مليوني كيلو متر مربع لتُظهر لنا كتب الجغرافيا أن عدد السكان السعوديين 8 ملايين نسمة.
ومن المواقف المضحكة أنه حينما بدأ التعداد في السعودية ظن البعض أن الحكومة تهدف إلى مساعدتهم فبدأوا يزيدون عدد أفراد الأسرة طمعاً في مساعدة الحكومة ويُنقصون الدخل، في الجانب الآخر كان للبعض رأي معاكس فظنوا أن الحكومة تقوم بالإحصاء لتأخذ بعض ذكور الأسرة للجيش، وأصبح التجار أكثر حذراً في إظهار ثرواتهم خوفاً من أن تطلب منهم الحكومة شيئاً منها أو تسومهم بالضرائب.
ومع التكرار ألف الناس التعداد وأيضاً لم يروا شيئاً مما توقعوه، فلا الحكومة ساعدت قليل الدخل كثير الأولاد ولا هي أخذت من كثير المال مالاً أو ضريبة ولا هي جندت جزءاً من أبناء كثيري الولد. هنا بدأ المجتمع بإدراك الأمر وأهميته وبدأت الأسر تفصح عن المعلومات الأسرية بشكل شفاف.
للأسف في عالمنا العربي هناك ضعف في الإحصائيات ولعل دول الخليج أكثر تقدماً في الإحصاء من غيرها. الإحصاء علم مهم ومكمل لكل العلوم فهو يدخل في الاقتصاد وفي الاجتماع وفي كل مناحي الحياة، ففي الجانب الاقتصادي كلما كان هناك معلومات دقيقة عن المجتمع ودخولهم وفئاتهم العمرية كان المشروع أنجح. فلنفترض أن شاباً أراد أن يفتتح مقهى في حي ما فإذا عرف تفاصيل إحصائية عن أفراد هذا الحي فإنه سيجعل مقهاه يتواكب مع ظروف الحي فإن وجدهم أغنياء قادرين على الدفع فتتيح محلا يستهدف هذه الفئة وإن وجد دخولهم متوسطة فإنه سيجعل محله يناسب هذه الفئة من حيث الأسعار، وإذا نظر إلى الإحصائية في هذا الحي من حيث العمر ووجد فئة الشباب هي الغالبية فإنه سيجعل محله يهتم بالرياضة ويركز على الرياضة التي يحبها شباب هذا المجتمع، أما إذا كانت الفئة العمرية في الحي من الراشدين فإنه سيصمم مقهاه بطريقة تناسب الراشدين بحيث يصبح المحل هادئاً بعيداً عن الإزعاج يناسب هذه الفئة العمرية التي تأتي للتحدث مع بعضها البعض.
أنا تحدثت عن مشروع صغير وصغير جداً فما بالك إذا كان المشروع كبيراً أو كبيراً جداً، فمثلا إذا كان المشروع زراعياً أو خدمياً ويهدف إلى تغطية دولة كاملة أو عدة دول فإنه سيهتم بالإحصاء من جميع جوانبه من حيث العمر والدخل والقوة الشرائية لدى كل مجتمع ليصمم منتجاته وفق تصاميم تناسب كل مجتمع وقدرته الشرائية فإن كان ينتج سيارات لمجتمع ذي قوة شرائية عالية فإنه سيضع كثيرا من الإكسسوارات وكثيرا من وسائل الرفاهية في هذه السيارة لعلمه أن أفراد هذا المجتمع سيدفعون ثمن العربة لأنهم أولاً قادرون وثانياً لأنهم يرغبون في مثل هذه التصاميم، أما إذا كان المجتمع أقل دخلاً فإن المصنع سيصنع السيارة نفسها لهم ولكنه سيلغي كثيرا من الإكسسوارات ووسائل الرفاهية لينخفض السعر ويناسب هذا المجتمع.
خلاصة القول إن الإحصاء علم مهم للاقتصاد، فعلى ضوئه تقام دراسات الجدوى وتصمم منتجات المصنع أو الخدمة لتناسب المستفيدين منها، والإحصاء أهميته لا تتوقف على الاقتصاد بل على جميع العلوم، فهو علم مكمل وهو علم يؤيد النظريات أو ينفيها ولكنه في الاقتصاد أكثر وضوحا لأن الاقتصاد عبارة عن مشاريع في الميدان يمكن الحكم على نجاحها أو فشلها سريعاً، لذا أتمنى على الحكومات العربية أن تكثف التوعية بأهمية التعداد خاصة في القرى والنجوع، وأيضاً في المدن، وتفهم الناس أن الإحصاء هدفه علمي اقتصادي لا سياسي. ودمتم.
نقلا عن الشرق الأوسط