الأزمات المتلاحقة التي يمر بها العالم اليوم ذات طبيعة معقدة ومركبة فمنذ عامين ومع الإقفال الكبير الذي ساد العالم للحد من تفشي فايروس كورونا والتداعيات التي خلفها لا تتوقف عن الظهور فمن أزمة صحية خانقة وشح بالمواد الطبية ببداية الأزمة وما ظهر من نقص بإنتاج مستلزمات طبية بكثير من الدول ثم المسارعة لتحويل خطوط إنتاج المصانع لتغطية هذا العجز بالعرض إلى ظهور أزمة اقتصادية تسببت وحتى تاريخنا الحالي بنقص كبير بسلاسل الإمداد بمختلف السلع الغذائية وغيرها مما كان شرارة لارتفاع الأسعار والذي ما إن حاول العالم التقاط أنفاسه من هذه الجائحة وتداعياتها بعد إنتاج اللقاحات لتحصين العالم من الفايروس وكذلك إطلاق حزم تحفيز اقتصادية ومالية ضخمة حتى ظهرت بعض الثغرات بما تم اتخاذه من إجراءات تحفيزية أدت لظهور نقص عمالة واسع بدول اقتصادياً تعد الأكبر بالعالم مثل أميركا وأوروبا فمن حصل على دعم مالي لمدة طويلة تصل لعام رأى أنه ليس بحاجة للعودة للعمل سريعاً فما يحصل عليه من دعم شهري يقارب دخله عندما كان على رأس العمل كما حدث في أميركا ببرنامج دعم الأسر فكل هذه الإجراءات وغيرها بدول عديدة ذات إنتاج غزير وحركة تجارة ضخمة أثرت بنهاية المطاف على أجور الشحن والتفريغ والنقل والتوزيع بالإضافة لتأثر الإنتاج انخفاضاً الممتد أساساً منذ الإقفالات لمنع تفشي الفايروس.
ثم جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا وهما من أكبر مصدري القمح والحبوب بالعالم لتزيد من خطورة ليس فقط ارتفاع التضخم بالأسعار بل حتى إمكانية الانتقال لأزمة كارثية بنقص السلع الغذائية مما يهدد بمحاعة قد تضرب الدول الفقيرة وتعرض حياة 50 مليون إنسان لخطر المحاعة وفق توقعات دولية ، فروسيا رابع منتج للقمح عالمياً وأوكرانيا تحتل المركز السابع لكنهما الأكبر بالتصدير ويستحوذان على 30 بالمائة من صادرات القمح عالمياً ومنذ بداية العام الحالي ارتفعت أسعار القمح والحبوب 40 بالمائة عالمياً وجميع هذه السلع عند أسعار قياسية أغلبها غير مسبوق تاريخياً وهو ما يهدد أمن دول فقيرة بغذائها كما تنقل وسائل الإعلام أن هناك مساومات حول عودة تصدير هذه السلع من قبل روسيا خصوصاً الإنتاج الأوكراني العالق بالموانئ مقابل رفع العقوبات عن موسكو ، إذ فرضت أميركا والمتحالفون معها حوالي 6000 عقوبة على روسيا لشل اقتصادها وإضعاف قدرته على تغطية تكاليف الحرب ، ولكن الضرر وقع على الدول المستوردة للسلع الغذائية الأساسية بارتفاع أسعا ها والتي بدأ أغلبها التحرك لحماية أمنه الغذائي وبما أن دول الخليج من بين المستوردين لغالبية السلع الغذائية التي تستهلك فيها حيث إن الإنتاج لا يغطي نسبة كبيرة من الطلب ودول الخليج أيضاً لا يمكن تصنيفها بأنها دول زراعية بامتياز نتيجة لطبيعتها الصحراوية وعدم وجود مخزون مياه كافٍ نظير معدل الأمطار الذي يعد منخفضاً فيها وعدم وجود أنهار أيضاً فإنها تتأثر بأسعار السلع لكن ما يحمي المستهلك لحد كبير القدرة المالية للدول على المنافسة وتوفير السلع بل وتقديم الدعم لها لتبقى بأسعار مناسبة مع خطط دول الخليج المتبعة منذ عقود ليكون لديها دائماً مخزون يفوق النسبة الدولية بكثير التي تقدر بضرورة أن يكون لدى أي دولة 25 بالمائة من المخزون قياساً بحجم الاستهلاك بعكس أغلب الدول العربية التي ينخفض بها المخزون لأقل من 18 بالمائة.
لكن ما يلاحظ وخصوصاً مع انتشار وسائل الإعلام الجديد هو نشر مقارنات لأسعار بعض السلع الغذائية بأسواق دول الخليج من قبل المواطنين فمع نشر مراكز التسوق للبضائع التي يبيعونها على مواقعهم وتطبيقاتهم الإلكترونية مدعمة بوضع الأسعار باتت المقارنات سهلة نظرياً لكنها لا تعكس كل الحقيقة فعرض سعر سلعة بدولة لا يعني أن اختلاف السعر بدولة أخرى ارتفاعاً أو انخفاضاً يعطي الصورة الكاملة عن سبب هذا التباين فقد تكون تلك السلعة مدعومة بدولة أكثر من غيرها من الدول الخليجية الأخرى, كما أن السبب قد يكون راجعاً لمركز التسوق الذي عرض تلك السلع بسعر رخيص لزيادة التسويق وجذب الزبائن وهو أسلوب معروف ومتبع عالمياً إذ يمكن أن تخسر بسلعة مهمة لكل مستهلك لكن يبقى ذلك من الميزانية المرصودة للدعاية والإعلان والتسويق وهناك أسباب كثيرة تظهر التباين ببعض السلع ومما لا شك فيه أن بعضها قد يكون لأسباب جشع واحتكار وهذا أمر تراقبه الجهات المعنية بالدول وتحد منه بالإضافة لضرورة التفريق في مسألة التأثير والتحكم بالسعر ما بين المنتج والمورد والموزع النهائي للسلعة حتى يتم تحديد مصدر التأثير على السعر وللحد من الطرق الفردية والاجتهادات بنشر المقارنات فإن تأسيس « مركز خليجي يرصد أسعار السلع الغذائية «بدول الخليج يعد ضرورة خصوصاً مع التحول لسوق خليجية مشتركة وتعاون وشراكات اقتصادية وتجارية مرتفعة بين دول المجلس وسهولة بتنقل مواطنيه بين دوله ويكون تحت إشراف أمانة مجلس التعاون الخليجي وبتعاون بين الجهات المعنية بكل دولة التي تزود هذا المركز بأسعار السلع التي يتم تحديدها مع توصيف كامل لكل سلعة من قبل كل دولة بحيث يوضع سعر لما ينتج محلياً لكل سلعة وكذلك سعرها إذا كانت مستوردة أي يتم وضع تصنيف هل هو منتج محلي؟ أو مستورد؟ وتكون الأسعار المنشورة هي للمنتجين والموردين لأنها الأكثر دقة بقياس الأسعار, فالتوزيع تدخل فيه عوامل عديدة تسويقية ودعائية وعند إظهار هذه الأسعار يصبح من الصعب على الموزعين رفع هوامش الربح لأن أساس الأسعار معلن ويكون التحديث إما يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً أو ربعياً وكذلك سنوياً حسب معدل التغيرات ويمكن مستقبلاً وضع مقارنات مع أسعار تلك السلع أو بعضها عالمياً مع إيضاحات لتفاصيل مهمة مثل هل سعر السلعة خام؟ أو مكررة؟ أو معدة للاستهلاك النهائي؟
هذه الأزمة العالمية وما خلفته من تداعيات ومع انتشار وسائل الإعلام الجديد وقدرة كل فرد على النشر بسهولة يصبح من الضروري نشر المعلومات عن الأسعار بدول الخليج لبعض السلع المهمة عن طريق جهات رسمية موثوقة تحد من المقارنات العشوائية ونشر معلومات غير مكتملة بالمؤثرات على الأسعار في كل دولة وترفع من وعي المستهلك بالأسعار الأساسية المرجعية ويساعد ذلك بمنع الاستغلال من بعض الموزعين أو الموردين والمنتجين كما يمكن تطوير دور هذا المركز مستقبلاً ليشمل سلعاً ومواد غير غذائية تعد أيضاً أساسية لنشاطات اقتصادية عديدة ومن اليسير الوصول لأفضل تقنيات تبني هذا المركز حيث توجد وكالات دولية عديدة تقدم أسعار السلع بتحديث مستمر وربط آلي متقدم يمكن الاستفادة من خبراتهم مما يمهد لإنشاء بورصة خليجية للسلع فدول الخليج تعد من بين أكبر المصدرين و المستورين عالمياً.
نقلا عن الجزيرة
ذكرتني بهيئة المواصفات والمقاييس الخليجية ..