تتأثر الأصول بجميع أشكالها بالدورات الاقتصادية، وتتحدد العوائد المالية للمستثمرين حسب تقلبات الدورة الاقتصادية، ولذا نسمع كثيرا عن أهمية التوقيت عند اختيار أي من الأصول للاستثمار، لكون ذلك يحظى بأهمية بالغة لدى المستثمرين والمضاربين في هذه الأسواق. هناك طرق عدة لمحاولة استكشاف أوقات الدخول والخروج، وهي بطبيعة الحال في غاية الصعوبة، بسبب التقلبات في مسار الأسواق والتغيرات الاقتصادية المحلية والخارجية، والمؤثرات التنظيمية والسياسية، التي قد توجد تقلبات سريعة وغير متوقعة. ورغم هذه التحديات، إلا أن هناك خطوطا عريضة تساعد على اتخاذ القرار وتحديد الاستراتيجية الملائمة للمستثمر، وهي ما سنتطرق إليه في هذه المقالة.
على المستثمر أولا أن يعي أن الدورة الاقتصادية تؤثر كثيرا في تحرك الأصول صعودا أو هبوطا، ويمكن الرجوع لمقال سابق تحدثت فيه في صحيفة "الاقتصادية" عن أهم الوسائل الاستثمارية ومدى ترابطها ببعض، وتفاعلها أثناء الدورات الاقتصادية. باختصار سريع، الفكرة هي أن هناك خمس وسائل استثمارية رئيسة تشكل عصب الأسواق المالية حول العالم، وهي: الأسهم، السندات، السلع، العملات، والعقار، وهناك ترابط فيما بينها، حيث إن كل وسيلة تؤثر في الأخرى وتتأثر بها حسبما يستجد من تطورات على صعيد الاقتصاد الكلي كأسعار الفائدة ومعدلات النمو الاقتصادية وغير ذلك.
الدورة الاقتصادية تعبر عن حالة النشاط الاقتصادي في الدولة، ودائما ما يتأرجح ما بين انكماش وركود ثم تعاف وازدهار، ليشكل بذلك دورة اقتصادية واحدة، ثم يعود بعد ذلك لتكرار الدورة مرة أخرى، وتبلغ مدتها في المتوسط في الولايات المتحدة نحو 5.5 عام، بحسب المركز الوطني الأمريكي للدراسات الاقتصادية. لا جدال أن هناك دورة اقتصادية، لكن الصعوبة تكمن في تحديد وقت بداية كل دورة ونهايتها بفترة كافية، ليتمكن المستثمر من التعامل مع الحالة.
هذه الأيام هناك ربكة كبيرة في أسواق الأسهم الأمريكية، سببها تخوف كثيرين من دخول الاقتصاد حالة ركود، وغالبا ما يعني تباطؤ الحركة الاقتصادية وضعف النتائج المالية للشركات، إلى جانب ارتفاع البطالة وغير ذلك من الآثار السلبية. هذه المخاوف لها ما يبررها، وأول ذلك تراجع الناتج الاقتصادي الحقيقي في الربع الأول من العام 1.4 في المائة، بينما كان مرتفعا في الربع الرابع من 2021 بنسبة كبيرة بلغت 6.9 في المائة. وبحسب التعريف السائد للركود الاقتصادي، فإن حصول تراجع للناتج الحقيقي في ربعين متتاليين يعد ركودا اقتصاديا، ويستمر في المتوسط نحو عام كامل، قبل أن يبدأ الاقتصاد بالتعافي مرة أخرى.
دليل آخر قوي لاحتمال وقوع الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود نجده فيما يعرف بمنحنى عائد الاستحقاق، الذي بدأ يأخذ الشكل الأفقي، أو flat، بل إنه أخذ الشكل المعكوس في بعض الأيام في الأسابيع الماضية، وأهمية ذلك تأتي في كون المستثمرين في سوق السندات الحكومية، وهم من كبار المحترفين من ذوي النظرة البعيدة للحالة الاقتصادية، يعتقدون أن أسعار الفائدة ستواصل الصعود، لذا فهم يبيعون السندات الآن وينتظرون السندات الجديدة التي ستسعر بأسعار فائدة أعلى في وقت لاحق. التحدي هنا سيأتي فيما لو أن الاقتصاد دخل في حالة ركود وفي الوقت نفسه تكون فيه أسعار الفائدة مرتفعة.
كيف على المستثمر التصرف في حال دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود؟
من دراسة الوسائل الاستثمارية الخمس: الأسهم، السندات، السلع، العملات، والعقار، نجد أنه في نهاية الدورة الاقتصادية والدخول في حالة ركود اقتصادي تنخفض أسعار الأسهم ومعظم السلع، وهذا ما نراه في الأشهر القليلة الماضية، لكن - غالبا - في هذه الأوقات تبدأ أسعار السندات في الارتفاع، ما يعني انخفاض عوائد السندات، إلا أن ذلك ليس أمرا مشاهدا منذ بداية 2022. السبب في ارتفاع عوائد السندات يعود لطول المدة التي بقيت فيها أسعار الفائدة منخفضة بسبب تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي وعمليات التيسير الكمي، فلم يعد هناك مجال لانخفاض أسعار الفائدة. لكن في حال حدوث تباطؤ اقتصادي فلن يكون أمام الفيدرالي الأمريكي إلا خفض أسعار الفائدة لاحقا هذا العام. هذا يعني أن فرص الاستثمار ستكون في السندات ربما ابتداء من منتصف العام، وذلك على فرض الدخول في حالة ركود.
ماذا عن مستثمري الأسهم؟
من المعروف أنه في نهاية الدورة الاقتصادية يكون معظم الشركات في مختلف القطاعات قد حققت أعلى حدود مبيعاتها، وبالتالي ستكون نتائجها المالية المقبلة غير مشجعة، وكما هو معروف، فإن أسواق الأسهم تتنبأ بالحالة الاقتصادية قبل وقوعها بعدة أشهر، لذا نجد أن أسعار الأسهم بدأت بالانخفاض. ورغم ذلك، فإنه بنهاية الدورة الاقتصادية وعند الدخول في حالة ركود اقتصادي تبقى هناك القطاعات الدفاعية ملاذا آمنا للمستثمرين، مثل: قطاعات الرعاية الصحية، خدمات النفع العام، الطاقة، والسلع الاستهلاكية الضرورية. شركات هذه القطاعات تتميز بأن نشاطها التجاري لا يتأثر كثيرا بالدورة الاقتصادية، وفي الوقت نفسه، نجد أن معظم هذه الشركات تمنح عائدا دوريا مستقرا إلى حد كبير، على شكل أرباح موزعة، ومتى كان هناك انخفاض في أسعار أسهمها، فإن نسبة الربح الموزع ترتفع بشكل كبير وتصبح منافسة قوية للسندات الحكومية الآمنة، بل تكون منافسة لسندات كبرى الشركات.
لو نظرنا إلى أداء الأسهم في الأشهر الثلاثة الماضية، وأخذنا قطاعات مؤشر S&P500 كمثال للقطاعات الرئيسة في السوق، فسنجد أن أكبر الانخفاضات وقعت في القطاعات التالية "كما في يوم الخميس الماضي": تكنولوجيا المعلومات "-14 في المائة"، السلع الاستهلاكية غير الضرورية "-14 في المائة"، وهذه هي الشركات التي تتأثر بقوة وبسرعة بنهاية الدورة الاقتصادية. وفي المقابل، نجد الشركات التي لا تتأثر كثيرا بنهاية الدورة الاقتصادية، بل إن بعضها ترتفع أسعار أسهمها في هذه الفترة وهي الشركات الدفاعية: شركات النفع العام "+3.3 في المائة"، شركات السلع الاستهلاكية الضرورية "-0.28 في المائة"، الرعاية الصحية "-1.7 في المائة".
الاستثمار في الأسهم صعب في كل الحالات، ويزداد صعوبة بسبب الدورة الاقتصادية التي تمر بها معظم الاقتصادات، وغالبا كثير من المستثمرين إما أن يبتعد عن الأسهم بنهاية الدورة الاقتصادية، أو يستثمر في الشركات الدفاعية لتحقيق عائد أرباح موزع عال، إضافة إلى المحافظة على رأس المال بسبب استقرار أسعار أسهم تلك الشركات نتيجة عدم اعتمادها على الدورة الاقتصادية بشكل كبير.
نقلا عن الاقتصادية
وهل نحن الان في نهاية دوره اقتصاديه اقصد سوقنا المحلي.
اتلدورة الاقتصادية مختلفة وغير مرتبطة بشكل مباشر بالدورة الاقتصادية في أمريكا.
كل الشكر والإحترام على المقال الرائع. سؤال لك دكتور: هل قطاع الريت يعتبر قطاع دفاعي؟
قطاع الريت يعتبر دفاعي ولكن يعتمد على طبيعة الريت.. الريت الدفاعي هو الذي لديه منتجات تأجيرية للأفراد والأسر وليس الريت المتخص بالتأجير المكتبي للقطاع التجاري ولا التطوير التجاري.. سواء في المملكة أو الخارج.
دائما ما يدخل الاستاذ فهد الحويماني في الوقت المناسب . جزاه الله خير
ألف تحية.
مقال يستحق القراءة يا دكتور