سريلانكا الصينية

01/05/2022 1
عادل عبدالكريم

تعتبر سريلانكا احدى الدول ذات الاهمية الاستراتيجية والجيوسياسية في شبه القارة الهندية، وتواجه اليوم اسوء ازمة اقتصادية منذ استقلالها في عام 1948م، تعتبر سريلانكا احدى اهم الدول في مبادرة الحزام والطريق الصينية ولعل ما يشغل الساسة والرأي العام السريلانكي والعالمي ايضا ما اذا كانت باستطاعتها تسديد ديونها الى الصين وهل ازمتها الاقتصادية الحالية هي بسبب سياسات الحزب الشيوعي الصيني ام لا.

وقبل البدء في تحليل هذه الفرضيات لنأخذ على سبيل المثال ابرز المحطات التاريخية التي مرت بها سريلانكا حيث وبعد انتهاء الحرب الاهلية في العام 2006م قامت الدولة بمحاولة انعاش الاقتصاد المحلي وذلك بالحصول على قروض ضخمة وجذب الاستثمار الاجنبي وهذا ما تم بالفعل ففي حينه ساعدت سياسات الانفتاح في اخراج ما يقارب المليون ونصف شخص من تحت خط الفقر ولكنها رفعت نسبة الدين الاجنبي الى ما يقارب 119% من الناتج القومي.

وفي العام 2020م ومع ظهور جائحة كوفيد-19 قامت الجائحة بتعميق جروح الاقتصاد المتعثر حيث ضربت الجائحة العصب السياحي للبلاد حيث انه يعتبر من اهم الروافد التي تحصل من خلالها سريلانكا على نسبة جيدة من ناتجها القومي حيث تشكل السياحة ما مقداره 10% ومع تأثيرات الجائحة خسرت الدولة معظم هذا الدخل، وطبقا لبيانات مجلس السياحة والسفر العالمي فقد الاقتصاد السريلانكي ما يقارب 200 الف وظيفة في العام 2020م بسبب الجائحة.

وفي هذه المرحلة دخلت البلاد في منعطف الافلاس، وفي العام التالي 2021م قامت بالبحث عن قروض دولية من جيرانها لدعم الروبية ومحاولة الخروج من المنعطف بأقل الخسائر، وفي العام 2022م وبفعل عدة ازمات عالمية منها الحرب الروسية الاوكرانية والارتفاع في اسعار الطاقة والغذاء قامت كل هذه العوامل بتكبيد الاقتصاد السريلانكي المزيد من الجروح.

حتى ومع محاولات الحكومة لطباعة الاموال من اجل سداد ديونها المحلية فقد التهبت الاسعار بفعل التضخم وما زالت تبعات انخفاض الدخل السياحي في ازدياد وتعاني الحكومة ايضا من نقص حاد في العملة الاجنبية حيث لم يستطيع بمقدورها دفع تكلفة الاستيراد مما تسبب في ازمة حقيقة في الغذاء والطاقة والدواء.

ويعتبر الكثير من المحللين بان سريلانكا هي مفلسة بالفعل حيث ان اول دلالات ذلك الانخفاض الحاد في العملة الاجنبية حيث يُعتقد بان العام القادم سيحمل معه ارقام سالبة فيما يخص رصيد البلاد من العملات الاجنبية بواقع سالب 437 مليون دولار مما يعني بان الدولة متجهة الى اعلان الافلاس الرسمي.

تشير التقديرات بان الصين لعبت دورا محوريا في ازمة الديون هذه حيث انها قامت بمنح قروض حكومية الى سريلانكا تتجاوز الستة مليارات دولار ناهيك عن فاتورة مشاريع البنية التحتية للشركات الصينية العاملة في الدولة مما اغرق البلاد في ازمة ديون خانقة وقد قامت سريلانكا بطلب اعادة هيكلة لهذه الديون وقامت الصين ببحث الطلب ولكنها لم تمنح الضوء الاخضر بعد ويتوقع الخبراء بقيام الصين بذلك رغبة منها في دعم مبادرة الحزام والطريق لسريلانكا ولجميع دول الخارطة الصينية للمبادرة، حيث ان التعثر السريلانكي سيفتح الباب امام تكهنات اعادة تصدير هذه الازمة الى دول المبادرة المجاورة وقبل ذلك سيعني فشل الهندسة الصينية التي قامت بتشكيل الاقتصاد السيرلانكي.

وفي محاولة منها ومن اجل الحصول على النقد الاجنبي لتيسير التعاملات الدولية قامت سريلانكا بتأجير ميناء "هامبنتوتا" الاستراتيجي الى الصين بعقد لمدة 99 سنة مما اشعل المزيد من الاحتجاجات والسخط الشعبي اضافة الى قيام الصين بمنحها قرض اخر بقيمة 500 مليون دولار مع شروط سداد ميسرة نوعا ما شريطة ان تسمح السلطات السريلانكية للصين بانشاء مركز اقتصادي جديد في البلاد بقيمة 1.4 مليار دولار.

ان مبادرة الحزام والطريق باختصار شديد هي مبادرة تهدف الى منح الدول قروض صينية ولأجال طويلة مقابل قيام هذه الدول بانشاء مشاريع بنية تحتية بمعاونة شركات صينية وتقوم هذه الدول بدفع تكلفة هذه المشاريع من خلال القروض التي حصلت عليها في الاساس من قبل الصين مما يعني بان هذه الهندسة المالية الصينية المعقدة نجحت في سريلانكا وستنجح في بقيمة الدول حيث تشير التقديرات الدولية بان عدد مشاريع البنية التحتية في دول المبادرة تتجاوز 13 الف مشروع منفذ من قبل شركات صينية وتقدر ميزانية هذه المشاريع بما يقارب 843 مليار دولار.

اتهمت بعض الحكومات الغربية مبادرة الحزام والطريق بأنها استعمار جديدة بسبب ما تزعم أنه ممارسة الصين لدبلوماسية فخ الديون لتمويل مشاريع البنية التحتية وتدعي الصين أن المبادرة قد وفرت أسواقًا للسلع الأساسية وحسنت أسعار الموارد وبالتالي قللت من التفاوتات في التبادل وحسنت البنية التحتية وخلقت فرص العمل وحفزت التصنيع، ووسعت نقل التكنولوجيا، وبالتالي أفادت البلدان المضيفة وان تطبيق النظرية بشكل غير صحيح لا يعني بالضرورة ان تكون هذه النظرية غير صحيحة وهذا ما ستكفله الايام القادمة حيث ان نجاح ادارة الازمة الاقتصادية الحالية لسريلانكا هي نجاح للهندسة الصينية المالية لدول مبادرة الحزام والطريق.

 
 
 
 
 
خاص_الفابيتا