نوع جديد من الصناديق المغلقة المتداولة في المملكة

10/04/2022 0
د. فهد الحويماني

حاليا يوجد صندوق واحد فقط من النوع المغلق المتداول، بخلاف الصناديق العقارية التي هي كذلك تعد صناديق مغلقة ومتداولة، لكنها تستثمر فقط في القطاع العقاري. هذا الأسبوع تم الانتهاء من طرح ثاني صندوق مغلق متداول، وهو يقدم من الجهة نفسها التي تدير الصندوق الأول، شركة الخبير المالية.

ما أهمية هذا النوع من الصناديق للمستثمرين؟ وكيف يختلف عن الصناديق الاستثمارية الأخرى؟ ولماذا لا يقدم من قبل الجهات الأخرى كالبنوك والشركات الاستثمارية العاملة في السوق؟.

هذا الصندوق الجديد يختلف عن أول صندوق مغلق متداول في أنه يختص بالنمو والدخل، وليس فقط في الدخل، والفرق هنا مهم كون الصندوق الجديد يعد أقرب وسيلة للدخول في مجالات استثمارية متنوعة لكن بطريقة متداولة. فكما نعلم أن الصناديق الاستثمارية ليست متداولة بمعنى أن البيع والشراء فيها مكلف ويستغرق بعض الوقت ويتم خارج أوقات التداول، بينما في الصناديق المتداولة يتم البيع والشراء كالأسهم تماما.

وبينما الصندوق المغلق الأول، الذي تم طرحه العام الماضي، يهدف إلى تحقيق عوائد دورية من خلال الاستثمار في أصول مدرة للدخل مثل الصكوك والتمويل التجاري والإجارة وصناديق الدخل والمرابحة، يأتي الصندوق الجديد ليوسع دائرة استثماراته ليشمل الأسهم الدولية والمحلية والاكتتاب في الطروحات الجديدة، وكذلك الدخول المبكر في بعض الفرص المتوقع لها الإدراج في سوق الأسهم، وبالتالي فإن طبيعة العوائد مختلفة تماما ودرجات المخاطرة مختلفة تماما. لإيضاح طبيعة العائد المتوقع، حقق الصندوق المغلق الأول صافي ربح بمقدار نحو 20 مليون ريال في عشرة أشهر من أصول مدارة بمقدار 473 مليون ريال، وهي المبالغ التي تم جمعها وقت طرح الصندوق في بداية 2021، وهذا يعادل عائدا بحدود 4.2 في المائة. قارن ذلك بعائد سوق الأسهم السعودية في 2021 البالغ 30 في المائة، ومنها يتبين الفرق بين العائد المتحفظ كما في هذا الصندوق الذي يستهدف تحقيق ثلاث نقاط مئوية فوق معدل الفائدة بين المصارف العالمية "لايبور"، وبين العائد عالي المخاطرة كما في سوق الأسهم.

كيف يقرر المستثمر بين هذه الصناديق المتعددة؟

أولا المقصود بأن الصندوق مغلق هو أن رأس مال الصندوق ثابت، كالشركات المدرجة، وليس مفتوحا كصناديق الاستثمار التقليدية التي يزيد وينقص حجم أصولها بشكل يومي نتيجة عمليات الاشتراك والاسترداد، وهذا هو السبب في تأخر إصدار تقييم سعر وحدة صندوق الاستثمار العادي، وعدم إمكانية البيع والشراء بشكل فوري. لذا فإن أول قرار على المستثمر اتخاذه هو عن مدى المرونة اللازمة للبيع والشراء، فإذا كان هناك حاجة للتداول السريع وبتكلفة أقل فيكون الصندوق المتداول أفضل.

الفرق الآخر المهم بين الصندوق المغلق المتداول والصندوق الاستثماري العادي يعود إلى طبيعة الاستثمارات في كل منهما، التي تقتصر إلى حد كبير في حالة الصناديق الاستثمارية على الأسهم والسندات المدرجة، بينما المجال مفتوح بشكل كبير أمام الصناديق المغلقة، وسبب هذه المرونة لدى الصناديق المغلقة يعود لكونها تؤسس كشركات وتطرح أسهمها في السوق وتزاول نشاطات متنوعة وتقترض كالشركات تماما.

الصناديق المغلقة المتداولة أقرب في طريقة عملها لصناديق التحوط، التي تتمتع بحرية كبيرة في استثماراتها، لكنها ليست متاحة للتداول المباشر. كذلك الصناديق المغلقة المتداولة شبيهة بصناديق الأسهم المتداولة ETF، التي يوجد عدد قليل منها في السوق السعودية وتختلف في أنها تستثمر في أصول مدرجة معروفة السعر في جميع الأوقات. أي إن صناديق ETF لا تحتاج إلى تقييم يومي لأصولها لأن أصولها معروفة السعر كونها متداولة. أما الصناديق المغلقة المتداولة فطريقة حساب قيمة أصولها صعبة للغاية بسبب تنوع أصولها وعدم وجود سوق فورية لجميع هذه الأصول.

هذا يعني أن سعر الصندوق المغلق المتداول قد يشطح صعودا أو هبوطا عن قيمته الحقيقية من خلال التداولات اليومية، وبعد إصدار تقييم وحدة الصندوق كل ثلاثة أشهر من الممكن أن يتأثر سعر الصندوق حسب التقييم. حاليا صندوق الدخل المغلق، الذي تم طرحه العام الماضي بعشرة ريالات، يبلغ سعره في السوق 8.50 ريال، ما يعني أن نسبة العائد الممكنة من خلاله ستتجاوز 5 في المائة لو أنه قام بتوزيع مقدار الأرباح نفسها التي وزعها في 2021، وذلك لأنه كلما ينخفض سعر الصندوق في السوق يرتفع العائد المتوقع للمستثمر الجديد.

الفارق الآخر المهم هو أن الصناديق المغلقة تدار كشركة، ما يعني أنها قد تقترض لرفع مواردها المالية، وهذا لا يمكن أن يحدث في الصندوق التقليدي الذي يعتمد بشكل كامل على الاشتراكات، لذا هذه من النقاط التي على المستثمر إدراكها، كونها ترفع من مخاطرة الصندوق المغلق مقارنة بالوسائل الأخرى. ورغم ذلك لا يسمح للصندوق بالاقتراض بأكثر من 30 في المائة من صافي قيمة أصوله وقت الحصول على التمويل.

كيف كان استقبال المستثمرين لثاني صندوق مغلق متداول؟

الصندوق الجديد كان يستهدف رأس مال بمقدار مليار ريال، وبحد أدنى 300 مليون ريال، إلا أن الإقبال كان كبيرا جدا فتمت تغطية رأس المال بالكامل وكان عدد المكتتبين كبيرا كذلك، حيث بلغ 470 ألف مكتتب، وهذا يدل على أن هناك أفرادا وشركات يرغبون في الاستثمار بهذا النوع من الصناديق. من المهم الإشارة إلى أن هذا الصندوق عالي المخاطرة، وليس مثل الصندوق الأول الخاص بالدخل الذي يستهدف عائدا سنويا بحدود 4 في المائة فقط. لذا فإن الاستثمار في الصندوق الجديد يعني تقبل احتمالية تحقيق خسائر فعلية أو تحقيق أرباح بشكل مخالف لأداء المؤشرات المعروفة، كون أداء الصندوق يتبع مؤشرا مرجعيا خاصا به، وليس أحد المؤشرات المعروفة.

لماذا لم تقم الجهات الأخرى بطرح صناديق مشابهة؟

الصناديق المغلقة المتداولة موجودة منذ عشرات الأعوام في الخارج، حيث يوجد حاليا نحو 500 صندوق، بانخفاض متتال منذ 2007 حين بلغ العدد 664 صندوقا. وهذا العدد قليل جدا مقارنة بعدد صناديق الاستثمار التقليدية في العالم البالغ نحو 40 ألف صندوق. أما سبب تناقص عدد الصناديق المغلقة في أمريكا، من 664 صندوقا في 2007 إلى 494 صندوقا في 2020، فربما أحد الأسباب أن هناك صناديق ETF تقوم مقام الصناديق المغلقة المتداولة ويفضلها كثير من المستثمرين. هذا النوع من صناديق ETF غير موجود في المملكة، وهو النوع النشط، بينما صناديق ETF لدينا جميعها خاملة، بمعنى أنها تستثمر في شركات واقعة ضمن المؤشر الذي يتبعه الصندوق، وبالتالي فإن خيارات الصندوق في الاستثمار وحجم كل استثمار محدد ومقنن. أما صناديق ETF النشطة فيمكنها أن تعمل كصناديق التحوط أو صناديق الملكية الخاصة أو صناديق الاستثمار التقليدية أو غيرها، ولذلك هي أصبحت بديلا منافسا للصناديق المغلقة المتداولة.

أما سبب عدم طرح الصناديق المغلقة المتداولة من قبل الجهات الاستثمارية في المملكة فربما أحد الأسباب أن طريقة عمل هذه الصناديق مختلفة والمهارات اللازمة لإدارتها تختلف عن الصناديق التقليدية. كذلك هذه الصناديق تشكل منافسة مباشرة للصناديق التقليدية، فقد ترى بعض الجهات عدم طرحها لعدم التأثير في الإقبال على صناديقها الأخرى.

ختاما، يعد الصندوق الاستثماري المغلق المتداول الثاني إضافة جيدة لمجموعة الوسائل الاستثمارية التي تقدمها شركة السوق المالية "تداول" للمستثمرين في المملكة، ونجاح هذا الصندوق من عدمه يعتمد على إدارة الصندوق وخبرتها في الاستثمار عموما، وخبرتها وكفاءتها في إدارة الصناديق المغلقة على وجه الخصوص.

 

نقلا عن الاقتصادية