تنامت الودائع المصرفية بوتيرة متسارعة خلال الفترة 2019 - 2021، مسجلة معدلات نمو سنوية بمتوسط لا يقل عن 7.9 في المائة، وجاءت الودائع تحت الطلب الأعلى حصيلة بمتوسط نمو سنوي للفترة نفسها بلغ 9.5 في المائة، مقابل متوسط نمو سنوي أدنى للودائع الزمنية والادخارية لم يتجاوز 4.1 في المائة للفترة نفسها. وتحقق ذلك النمو في الودائع المصرفية نتيجة عديد من العوامل، كان من أهمها الارتفاع المطرد في حجم الإقراض المصرفي بكل أنواعه، وتحديدا النمو الذي سجله التمويل العقاري الممنوح للأفراد، الذي نما خلال الفترة نفسها بنحو 202.4 في المائة، بمتوسط نمو سنوي لا يقل عن 44.8 في المائة، ولمزيد من فهم العلاقة بين نمو الودائع والقروض المصرفية، يمكن الرجوع إلى مقال: "ماذا يعني ارتفاع الودائع المصرفية؟" للدكتور فهد الحويماني، المنشور في صحيفة «الاقتصادية» بتاريخ 10 تموز (يوليو) 2021.
سيأتي التركيز هنا على التحركات التي أظهرتها الودائع الزمنية والادخارية طوال تلك الفترة، وما بدأت تظهره منذ كانون الأول (ديسمبر) 2021 التي تلبي رغبات الاستثمار الآمن بالنسبة للمودعين "مستثمرين"، ويعكس التغير غالبا في أرصدتها "بالانخفاض" درجة إقبال المودعين على الاستثمارات الأخرى بمخاطر أعلى، بينما يعكس "الارتفاع" في أرصدتها تغيرا في نظرة المودعين تجاه أي استثمارات أخرى، وبالنظر إلى التحركات التي أظهرتها أرصدة الودائع الزمنية والادخارية طوال الأعوام الماضية، سيلاحظ أنها غالبا ما تأتي عكسية مع مؤشر أداء سوقي الأسهم والعقار على حد سواء، اللذين متى أظهرا نموا وانتعاشا، وجد مقابله تراجع أو تباطؤ في نمو تلك الودائع، والعكس أيضا صحيح. وخلال الفترة 2019 - 2021، أظهر كل من سوقي الأسهم والعقار نموا مطردا، مع التأكيد أن النمو الذي تحقق للاستثمارات في سوق العقار كان أعلى مقارنة بما تحقق للأسهم خلال أغلب تلك الفترة، والتأكيد أيضا أن النمو القياسي الذي سجلته الأسهم لم يبدأ بصورته الراهنة إلا في شباط (فبراير) 2021 واستمر حتى تاريخه بمتوسط نمو سنوي بلغ 40.0 في المائة. أما فيما يتعلق بالنمو الأسرع الذي بدأت سوق العقار بتحقيقه في تاريخ سبق النمو المطرد لسوق الأسهم، فكما هو معلوم أن الأسباب أو العوامل التي دفعت بارتفاعه، وقف على ذروة تلك العوامل بدرجة أكبر "الائتمان المصرفي" الكبير الذي تم ضخه في السوق العقارية المحلية طوال تلك الفترة بنحو 396 مليار ريال، وإن شهد تراجعا في وتيرته منذ منتصف العام الماضي حتى تاريخه، ما تسبب في استقرار وثبات مستويات الأسعار بالنسبة للسوق العقارية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، مقارنة بمستوياتها خلال العام الماضي.
أخيرا: أظهر أحدث بيانات البنك المركزي السعودي شباط (فبراير) 2022 حول الودائع الزمنية والادخارية تحولا لافتا في أرصدتها منذ كانون الأول (ديسمبر) 2021 الماضي، حيث بدأت تسجل نموا سنويا متصاعدا بدأته بنمو سنوي وصل إلى 4.5 في المائة، ثم ارتفع إلى 7.7 في المائة بنهاية كانون الثاني (يناير) 2022، ثم ارتفع إلى 8.8 في المائة بنهاية شباط (فبراير) 2022، ويعد النمو الأكبر منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، والتأكيد هنا أنه السلوك الذي أظهره ذلك النوع من الودائع المصرفية قبل البدء برفع معدل الفائدة بعدة أشهر. كل هذا بدوره يفتح أمام المتابع والمراقب أسئلة عديدة، يأتي في مقدمتها هل بدأت نظرة كبار المودعين "المستثمرين" في التغير تجاه الأوعية الاستثمارية الأخرى؟ خاصة بعد موجة الارتفاعات القياسية التي سجلتها تلك الاستثمارات الأخرى طوال الأعوام الأخيرة؟ وما المتوقع بالنسبة لتلك الاستثمارات خلال الأشهر القليلة المقبلة، بحال استمرت تلك الودائع الزمنية والادخارية في النمو بمعدلاتها نفسها أو بأعلى خلال الأشهر القليلة الماضية؟
قد تأتي الإجابة من الأسواق "أسهم، عقار" أسرع مما ستأتي به البيانات الشهرية للبنك المركزي السعودي، التي ينتظم في نشرها نهاية كل شهر ميلادي، وبالطبع فإن الإجابة سواء من الأسواق أو من النشرات الشهرية للبنك المركزي قد تأتي إما بالنفي أو بالإيجاب على توقعات أداء الأسواق، إنما ستكون الإجابة بحال استمرت تلك الودائع بالنمو والارتفاع أكثر أهمية بالنسبة للمتعاملين والمستثمرين في كلتا السوقين (الأسهم، العقار)، وستنعكس قراءة تلك المؤشرات وفهمها من قبلهم على أداء الأسواق بكل تأكيد، مع الأخذ في الحسبان الاختلافات القائمة بين كل من سوق الأسهم من جانب، ومن جانب آخر سوق العقار، التي ترتبط بعديد من العوامل الخاصة بكل سوق، سواء من حيث المحفزات أو التحديات التي تختص بكل سوق منهما، ووفقا لما هو قائم حتى تاريخه من تطورات ومتغيرات عديدة على المستويين الاقتصادي والمالي، فلا تزال سلة المحفزات أكبر بالنسبة لسوق الأسهم مقارنة بال، أخذا في الحسبان أن وتيرة النمو المطرد بدأت متأخرة لسوق الأسهم، على العكس من السوق العقارية التي بدأت تسارعها ونموها في وقت سبق الأسهم بأكثر من عامين، التي بدأت تعكس تباطؤ نمو الائتمان البنكي منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي سجلت خلالها استقرارا وثباتا في الأسعار وما زال مستمرا حتى تاريخه، بينما كانت الفترة نفسها هي الفترة الأكثر ارتفاعا بالنسبة لسوق الأسهم المحلية، وتوجته بإعادة المؤشر العام إلى أعلى من 13 ألف نقطة، بعد أكثر من 16 عاما من بقائه دون هذا المستوى للمؤشر.
في الوقت الذي ستتسمر خلاله متابعة تحركات السيولة المحلية، والتطورات القائمة على حركة الودائع المصرفية، وتحديدا الزمنية والادخارية، إضافة إلى تحركات الفائدة على الريال المتوقع صعودها، وترقب بدء تنفيذ المرحلة الثانية من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في مدينة الرياض، وتتابع تنفيذها في كل من جدة وحاضرة الدمام ومكة المكرمة المتوقع إعلانه خلال الربع الثاني الجاري، إضافة إلى تنفيذ المرحلة الأولى في 17 مدينة إضافية حول المملكة، كل ذلك وغيره من المتغيرات والعوامل الأساسية، سيكون له بالتأكيد انعكاسه على أداء كل من سوقي الأسهم والعقار، وهو ما ستتأكد مساراته بصورة أكثر وضوحا في منظور الأشهر القليلة المقبلة - بمشيئة الله تعالى -، وما ستتم قراءته وتحليل تطوراته بالتزامن معها، ومحاولة استجلاء مستقبلها وفقا لما يطرأ من تغيرات على العوامل المؤثرة في اتجاهات تلك الأسواق.
نقلا عن الاقتصادية