ضعف الاستثمار في الاقتصاد الفضي

21/03/2022 2
د. عبدالله الردادي

هناك نظرة تقليدية للاقتصاد عن كبار السن، وهي أن زيادتهم تؤثر على الإنتاجية الاقتصادية، وأنهم يشكلون ضغطاً على النظام الصحي، وعلى الخدمات العامة، والميزانيات الحكومية، وأنظمة المعاشات والتقاعد. ولذلك فإن موضوع زيادة معدل الأعمار (Aging) يناقَش كثيراً من هذه الجوانب التقليدية والتي تميل إلى السلبية على الأغلب، ولم يبدأ العالم في النظر إلى هذا الأمر بشكل إيجابي إلا قبل أقل من عقد، فيما اصطُلح عليه باسم (الاقتصاد الفضي)، وهو الاقتصاد الذي يهتم بفئة عمرية محددة (عادةً من سن التقاعد فما فوق)، ويشمل جميع الأنشطة ذات الصلة بكبار السن.

وبدايةً يجب التأكيد أن ارتفاع معدل الأعمار في العالم هو حقيقة لا يمكن غضّ النظر عنها، وهي نعمة أدى إليها –بعد فضل الله– تطور الطب، وتحسن الأمن والعلاقات بين الأمم التي قللت من الحروب وأثرها على النمو السكاني. وزيادة معدل الأعمار لا ينطبق على حال العالم اليوم فحسب، بل على هذا الازدياد في المستقبل، وكيفية الاستعداد لذلك.

ومعدل الأعمار يتفاوت بين الدول، حيث تحل اليابان في المرتبة الأولى عالمياً في ارتفاع معدل الأعمار وهي مشهورة بذلك. وليست أوروبا ببعيدة عنها، فمن 199 مليون أوروبي، 39% فوق سن الخمسين، وبحلول عام 2025 سيصبح عدد سكان أوروبا 222 مليوناً، 43% منهم فوق سن الخمسين. وهذه الزيادة موجودة –وإن كانت متفاوتة– في غالبية دول العالم، ومدى الاستعداد لها أمر قد يغيّر شكل الكثير من الاقتصادات في المستقبل. وليس في ذلك مبالغة، فحجم (الاقتصاد الفضي) في أوروبا وحدها 3.7 تريليون دولار (عام 2015)، وبنمو سنوي يصل إلى 5%، قد يصل حجم هذا الاقتصاد إلى 5.7 تريليون دولار بحلول عام 2025. ولو قيس ذلك على الاقتصادات العالمية لكان الاقتصاد الفضي في المرتبة الثانية من ناحية الحجم بعد اقتصادي الولايات المتحدة والصين.

والنظرة الجديدة إلى الاقتصاد الفضي هي أنه أرض خصبة للفرص الاستثمارية، هذه الفرص لم يتم استثمار الكثير منها حتى الآن. ذلك أن الاستثمارات المرتبطة بالاقتصاد الفضي دائماً ما تركز على ما يحتاج إليه كبار السن، لا ما يريدونه. فالكثير من الدول تركز على الاستثمارات الخدمية المرتبطة بكبار السن كدور الرعاية، والخدمات الصحية التقليدية. صحيح أن كبار السن أكثر إنفاقاً على الصحة ممن هم أقل منهم عمراً، ولكنهم في نفس الوقت أكثر إنفاقاً على قطاعات مثل السفر والسياحة والثقافة، وهو أمر مرتبط بعاملين رئيسيين: أولهما هو وجود وقت الفراغ، والآخر هو امتلاك القدرة المالية على الإنفاق في هذه القطاعات الترفيهية.

والمتأمل اليوم في قطاعات الترفيه، يجدها موجَّهة بشكل كبير إلى الشباب دون كبار السن، وقد توجه الكثير من الدول الآن إلى قطاع الترفيه لكبار السن، وتملك فنلندا أحد أكبر معدلات الأعمار في العالم وقد وجدت في هذا فرصاً استثمارية للقطاع الخاص وبدأت في التسويق له. وتعطي أنشطة الترفيه للاقتصاد الفضي ميزات مهمة، منها أن مواسم السفر لدى كبار السن تختلف كلياً عن بقية الأعمار بسبب عدم ارتباطهم بمواسم الدراسة أو الأعياد أو الأعمال الرسمية. كما أن طبيعة الترفيه لدى كبار السن تعطي فرصاً مختلفة عن مثيلاتها للشباب مما يزيد الفرص الاستثمارية غير المستغلة.

ويلاحَظ من عدم استغلال الفرص الاستثمارية في الاقتصاد الفضي سيطرة الفكر التقليدي على الاستثمار، فالكثير من الفعاليات الترفيهية والثقافية والفكرية لا تشترط الوجود الجسدي ويمكن إقامتها عن بُعد. هذا الفكر التقليدي أثّر على عدم تضمين كبار السن في المنظومة الاقتصادية. وبينما يُناقش تضمين المرأة والشباب والأقليات العرقية في المنظومات الاقتصادية، لا يناقَش تضمين كبار السن في هذه المنظومات، ويُستثنون بشكل كبير من ريادة الأعمال والأنشطة الاقتصادية. وقد أصدرت المفوضية الأوروبية دراسة قدمت فيها عدداً من المقترحات والمبادرات لتدعيم الاقتصاد الفضي مثل تحسين بيئة الجامعات لكبار السن، وتحسين مستوى الصحة الرقمية، وتقديم مصطلح ريادة الأعمال لكبار السن.

إن أهمية الاقتصاد الفضي حقيقة كما هو ارتفاع معدل الأعمار، والاستثمار فيه لا يأتي من منطلق خيري، بل من وجود جدوى اقتصادية وفرص استثمارية غير مستغلة لفئة ذات ملاءة مالية عالية. في المقابل فإن عدم تضمين كبار السن بما يملكونه من تراكم معرفي وخبراتي يعد خسارة للاقتصادات. ويكفي لمعرفة حجم الفرص غير المستغلة التأمل في الأنشطة الاقتصادية الحالية، والنظر في ملاءمتها لكبار السن، ومقارنتها بالدول التي تستثمر هذه الفرص.

 

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط