سنحاول في هذه السطور تقديم شروحات مبسطة عن دور الفقه الاسلامي بشقه الخاص بالمعاملات في تطوير الاقتصاد والتمويل الاسلامي، وتحديدا سنحاول تقديم سطور مبسطة عن القواعد الفقهية الكبرى.
معنى القاعدة لغة: الأساس، وهو ما يرفع عليه البنيان، وتجمع على قواعد، وهي أسس الشيء وأصوله. وقد تعددت اتجاهات العلماء قديما في تعريف القاعدة اصطلاحا، ولكنها تنحصر في الغالب في وصفها بـ"حكم كلي"، أو "قضية كلية"، حيث ان القاعدة الفقهية هي: "حكم شرعي عملي كلي يتضمن مسائل من بابين فأكثر" و ايضا تعرف بانها : "حكم شرعي عملي عام" وهذا التعريف الاخير منسجم مع رأي الإمام ابن تيمية، إذ وصف قواعد الفقه بأنها "أحكام عامة" خلافاً لأصول الفقه فقد عبر عنها بـ"أدلة عامة".
ان الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي هي ان الضابط الفقهي: حكم شرعي عملي كلي يتضمن مسائل من باب واحد. و هذا هو الفرق الجوهري بين الضابط والقاعدة ويقال : أن القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد. هذا هو الأصل ومثال على ذلك كل حكم عملي كلي خاص بزكاة أو سلم وشفعة ووقف ونحوها عبارة عن ضابط فقهي.
ويمكن القول بأن القواعد الأصولية هي عبارة عن أدلة عامة، يتوصل بها إلى استنباط الأحكام، بخلاف القواعد الفقهية التي تعبر عن أحكام عامة، والهدف الأساس منها ضبط المسائل متحدة العلة تحت حكم كلي، على أن منها ما يصلح دليلا.
إن العلاقة القائمة بين أصول الفقه وقواعد الفقه من أوثق العلاقات، فعلى سبيل المثال ترى الاستدلال بالقاعدة الفقهية المشهورة: "الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت رفعه" معبرا عن الاستدلال بقاعدة أصولية، وذلك لأنها تتضمن أنواعا من الاستصحاب: منها استصحاب براءة الذمة، واستصحاب الحكم الثابت ومن أقوى الشواهد على ذلك : علاقة العرف ومباحثه الأصولية بالقواعد الفقهية المتصلة بتحكيم العرف، وعلى رأسها القاعدة الكبرى: "العادة محكّمة".
وإذا تدبرنا القواعد الأخلاقية، وجدناها ذات تأثير قوي في الفقه الإسلامي وقواعده، بل تراها مهيمنة على أحكامها، ومنها خلق الأمانة على سبيل المثال، إذ لا غنى عن التعويل على الأمانة في إطار المبادلات، المرتبطة بعقود الأمانة من الوديعة والمرابحة وأخواتها، ومن القواعد المقررة المتصلة بالأمانة: "القول قول الأمين مع اليمين من غير بينة". ولمبدأ الأمانة أثر إيجابي في المعاملات، ومن ثم قد ينشأ أثر سلبي وضرر كبير في حال فقدان سلطانه في المبادلات بين الناس. ففي مجال الاستثمار، من جهة تخطيط المشروعات والمنتجات، من يوسد الأمر إليه إذا كان متحليا بصفة الأمانة، نجحت المشاريع بدون أنانية واستغلال. وانطلاقا من هذا المبدأ من يستشار في هذا الشأن للتثبت من سلامة المشروع في شروطه وبنوده وحيثياته من أي محظور شرعي، لا بد أن يكون أهلا تتوافر فيه صفة الأمانة لكي يمكنه إبداء رأيه حسب اجتهاده مبنيا على الأمانة، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "المستشار مؤتمن".
وعلى غرار ذلك ترى القضايا المنبثقة عن القاعدة الأخلاقية الآمرة بالمعروف- المضاد للمنكر-، المشار إليها في القرآن الكريم في أكثر من مناسبة، ومنها قوله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) - سورة النساء، 19-، لا تنأى عنها المعاني المنطوية تحت القاعدة الفقهية "العادة محكمة"، لأن العادة التي تتلقاها العقول السليمة بالقبول، ويجري التعامل بها في الغالب، هي التي تظل محل الاعتبار، وبالتالي كل ما كان معارضا للعرف المقبول المنسجم مع المعروف يعد مرفوضا. فعلى سبيل المثال ما يشهده واقع المسلمين اليوم في بعض الدول، من مغالاة الدية في حوادث القتل، بحيث تصل المطالبة بمقادير خيالية ربما تبلغ ملايين من الريالات، بسبب اللجوء إلى العرف السائد المبني على المباهاة في بعض القبائل أو لعامل نفسي آخر، فهذا كله متناف مع القيم الأخلاقية، وعلى رأسها قاعدة العدل. ومما لا شك فيه أنه قد أجاز بعض الفقهاء الاستناد إلى قاعدة التراضي في تقدير مبلغ قد يتجاوز الدية، ولكن لا يعني ذلك تجاوز المعروف المبني على مكارم الأخلاق، ولا عبرة بعرف مبناه على الجشع ونحوه من الخلق الذميم
القواعد الفقهية ليست على درجة واحدة من حيث سعة دلالاتها وقوتها. فهي تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: قواعد كلية متفق عليها والقسم الثاني: قواعد خلافية. ثم يتشعب القسم الأول إلى نوعين:
النوع الأول: تندرج فيه القواعد التي لها فروع كثيرة، ومن هذا القبيل: القواعد الخمس الكبرى: الأمور بمقاصدها، اليقين لا يزول بالشك، المشقة تجلب التيسير، الضرر يزال، العادة محكمة. فهي قواعد كبرى، تشكل نظريات واسعة، تدخل تحتها قواعد فرعية أخرى.
النوع الثاني: يندرج تحته القواعد الكلية، التي لا خلاف فيها لدى جمهور الفقهاء. ولكنها أقل شأنا من النوع الأول، فليست لها قواعد تابعة أخرى. ومن القواعد المشهورة المندرجة تحت هذا الصنف: "إعمال الكلام أولى من إهماله"، "الميسور لا يسقط بسقوط المعسور"، "العبرة بالغالب"، "ما قرب من الشيء يعطى حكمه".
النوع الثاني: قواعد خلافية: يبلغ عددها مئات من القواعد، سواء أكان الخلاف فيها بين فقهاء المذاهب أم كان في نطاق فقهاء مذهب من المذاهب.
المراجع:
1- المدخل إلى قواعد الفقه المالي، د. علي أحمد الندوي، معهد الاقتصاد الاسلامي، جامعة الملك عبدالعزيز.
2- الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، زين الدين ابن نجيم، دار الكتاب العلمية.
3- القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، محمد مصطفى الزحيلي، دار الفكر – دمشق.
خاص_الفابيتا