رغم انعدام أي دور للقارة الأفريقية في الحرب الراهنة بين روسيا وأوكرانيا، إلا أنه لا يمكنها الهروب من عواقب هذا الحريق العالمي، فتأثير الأزمة الاقتصادي سيكون ثقيلاً على القارة السمراء، حيث تتضرر معظم دول القارة من ارتفاع أسعار النفط والغاز، وتأثيراته المباشرة على تكلفة النقل، وزيادة أسعار السلع الأولية، وفي مقدمتها المنتجات الزراعية والأسمدة والحبوب، لا سيما وأن المنطقة تستورد من روسيا وأوكرانيا نحو 85% من إمدادات القمح، ومن شأن استمرار الحرب التأثير على سلاسل التوريد، وارتفاع تكلفة الواردات، وزيادة العجز التجاري، واعتماد سياسة التقشف.
لكن، الخطر الأكبر يكمن في انكشاف الدول الإفريقية على المنتجات الزراعية من الدولتين المتحاربتين، فقد استوردت القارة بقيمة 4 مليارات دولار من روسيا في عام 2020، 90% منها قمح، و6% منها زيت دوار الشمس، وأبرز الدول المستوردة مصر، التي استحوذت على ما يقرب من نصف الواردات، يليها السودان ونيجيريا وتنزانيا والجزائر وكينيا وجنوب إفريقيا، وبالمثل صدَّرت أوكرانيا 2.9 مليار دولار من المنتجات الزراعية للقارة الإفريقية، 48% منها قمحًا، و31% ذرة، بالإضافة إلى زيت عباد الشمس والشعير وفول الصويا، حيث تعد روسيا وأوكرانيا لاعبين مؤثرين في واردات الحبوب والزيوت، مما قد ينذر بمخاطر اقتصادية لأبناء القارة السمراء إذا استمرت الحرب أمدًا طويلًا.
المؤسف، أنه بينما كانت المنطقة تتعافي تدريجياً من آثار الجائحة، جاءت الحرب الروسية في أسوأ توقيت ممكن للاقتصاد الأفريقي بشكل خاص، لتهدد تقدمه، وكثير من البلدان باتت معرضة لدرجة كبيرة من مخاطر ارتفاع أسعار الطاقة، ونقص إمدادات الغذاء، وتقهقر القطاع السياحي، وصعوبة الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، ومن المرجح أن يفضي هذا الأمر إلى اشتداد الضغوط الاجتماعية، خاصة في الدول التي تفتقد شبكة أمان اجتماعي قوية، وبالإضافة إلى تفاقم الديون، وتراكم ندوب الجائحة التي عانى منها ملايين الأسر الأفريقية والشركات المحلية خلال العامين الماضيين.
لدى الأفارقة، بكل تأكيد، أسباباً منطقية للقلق بشأن تداعيات الصراع الراهن؛ فالتبادل التجاري بين روسيا والدول الأفريقية يلامس سنوياً 14.5 مليار دولار، ومن هؤلاء القلقين كينيا، ثالث أكبر اقتصاد في القارة الإفريقية، حيث تعد روسيا رابع أكبر مستورد للشاي الكيني بقيمة 50 مليون يورو، بينما تستورد كينيا معظم قمحها من روسيا وأوكرانيا، والأخطر، أن الأسواق المالية تستعد لهروب رأس المال الأجنبي؛ حيث يفضل المستثمرون في أوقات الأزمات الأسواق الغربية عن الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى العواقب المباشرة على بورصة نيروبي، وارتفاع النفط الذي يؤثر بشدة على أسعار النقل؛ فضلاً عما قد يسببه زيادة أسعار صرف الدولار من ضغوط إضافية على العملة الكينية.
وبالنسبة لدولة مثل جنوب إفريقيا، والتي تعد حليفاً رئيسياً لروسيا زميلتها في مجموعة بريكس، فإنها تمر بأزمات اقتصادية واجتماعية حادة، وتخشى ضياع استثمارات بنحو 5 مليارات دولار تملكها في موسكو، وبالمثل، تمتلك روسيا استثمارات في بريتوريا تتجاوز المليار دولار، ومن المرجح أن تؤثر هذه العقوبات المشددة بشكل مباشر على التجارة الروسية- الإفريقية، بما في ذلك تأثرها بإزالة البنوك الروسية من نظام سويفت المالي، وحظر المعاملات التجارية بالدولار. في المقابل، سيتأثر الاقتصاد الكلي للقارة السمراء، فهناك استثمارات روسية مباشرة مهددة بالإلغاء، أو التأجيل، حيث توجد 92 صفقة بين روسيا وأفريقيا بقيمة 1000 مليار روبية (13.9 مليار دولار) ، كما سيتأثر القطاع السياحي لدول مثل مصر وجنوب أفريقيا وموريشيوس، حيث تستقبل هذه الدول ملايين السياح الروس والأوكران سنوياً، وحتى الإيرادات النفطية الزائدة التي ستجنيها دول منتجة مثل نيجيريا وأنجولا وليبيا جراء ارتفاع أسعار النفط والغاز، فإن الشركات متعددة الجنسيات ستلتهم معظم الأرباح لأنها ببساطة تحتكر عمليات الاستكشاف والتنقيب والتكرير والغاز والمعادن، وتحظى، بامتيازات هائلة، ولا شك أن الآثار الاقتصادية السلبية ستعتمد على مدة الحرب.
خاص_الفابيتا