هل يصمد الاقتصاد الروسي؟ «2»

15/03/2022 0
فواز حمد الفواز

في الأسبوع الماضي حاولت تقدير مدى حجم التأثير في الاقتصاد الروسي. في الأخير اقتصاد روسيا يعتمد على الطاقة التي تشكل 60 في المائة من الصادرات و40 في المائة من الميزانية. طبقا لتقدير البنك المركزي، كان يتوقع نموا 2 في المائة لهذا العام، والآن توقع انكماشا 8 في المائة في GDP. الحد من القدرة على التصدير لمدة معتبرة سيكسر المنظومة الاقتصادية والمالية. لكن العمود اليوم يتحدث عن تداعيات الاقتصاد الروسي الدولية. حاجة روسيا إلى التكامل مع الصين كانت مرتبة.

لكن ربما كلتاهما لم تتوقعا مدى قساوة الحظر وشموليته، ولذلك الحاجة إلى التكامل وربما الاعتماد على الصين لا بد أن تتنامى، وهذا قد لا تريده روسيا في المدى البعيد. روسيا تحت ضغط، ولعل آخر دلالاته تخفيض التصنيف إلى أقل من التصنيف الاستثماري. ضغط ممكن تحمله لأعوام قليلة فقط إلا إذا تم التوقف عن استيراد النفط والغاز الذي ما زالت تجني روسيا منهما أكثر من 700 مليون دولار يوميا، إذ إنها كافية لحماية الروبل. لعل السؤال المركزي: هل تستطيع روسيا الاستقلال "الكامل" دون استقلال مالي واقتصادي في ظل هيمنة الدولار واليورو على الاحتياطيات وسريان المال عالميا؟

لن تكتمل الصورة دون محاولة معرفة وتقدير التأثير الاقتصادي في الدول الأخرى. روسيا المصدر رقم 13 في العالم، لذلك لها أهمية في الاقتصاد العالمي، خاصة في الطاقة وبعض المعادن مثل البلاديوم، الذي يعد ضروريا في صناعة السيارات. هذا طبعا إضافة إلى دور الاقتصاد الأوكراني في تصدير الحبوب. الدولتان تصدران نحو ثلث حجم المصدر من القمح في العالم، خاصة إلى الشرق الأوسط وإفريقيا. روسيا تصدر 40 في المائة و33 في المائة من احتياجات أوروبا للغاز والنفط تباعا. هاتان السلعتان متماثلتان لذلك سيكون هناك نقص ويصعب تعويض الإنتاج في مدة قصيرة، خاصة أن هامش الاحتياط الإنتاجي محدود، لذلك ارتفعت الأسعار بقوة ولو أن جزءا من الارتفاع يعكس الحالة النفسية، لكن الضغط على الأساسيات حقيقي. أحد التأثيرات أن نحو 20 في المائة من دخل طاجيكستان الفقيرة من العملات الصعبة من خلال تحويلات مواطنيها العاملين في روسيا، لذلك قد يمتد التأثير إلى تحولات اجتماعية وسياسية ربما يصل إلى دول مجاورة، لكن التأثير أيضا يأخذ أشكالا أخرى، فمثلا مقاطعة الطيران سببت ارتفاع تكاليف الطيران لكل شركات الخطوط الغربية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود على خلفية بداية التعافي من أزمة كورونا. هناك تبعات أخرى تستدعي تأثيرا اقتصاديا، فمثلا عديد من الدول الأوروبية سيزيد المصروفات على اللاجئين وعلى الدفاع ومحطات للغاز المسال، كما أعلنت ألمانيا، كل هذا في ظل ضغوط على الميزانيات والعجز المالي لكثير منها. لكن التأثير الأهم هو ارتفاع التضخم عالميا، تحديدا في أمريكا وأوروبا، خاصة أن البنوك المركزية على شفا تغيير السياسة النقدية. تطورات تضغط على صناع القرار بالحيرة بين تسريع رفع الفائدة لكبح التضخم الذي ارتفع أكثر بسبب سياسة الحظر، كما عبر عنها ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، أو التريث لتمويل تكلفة مؤثرة غير متوقعة. ظروف مشابهة لازمت كورونا لكن تراكمية إلى حد تغيير الحالة ما يضطر الحكومات إلى زيادة الإنفاق. تطورات السياسة والحرب ستحدد الخيارات والتأثير الاقتصادي والمالي. في الأغلب لدى روسيا من الموارد والتجربة ورصيد من العلاقة مع الصين لتخطي التحدي، لكن الأذى معتبر، وقد يستمر أعواما بسبب كسر الثقة مع الغرب. ولا أحد يستطيع التنبؤ بما كيف تؤول إليه الأحداث حين تكون العمليات العسكرية ميدان التغيرات التي تؤثر مباشرة وغير مباشرة، فهناك جوانب معنوية يصعب قياسها، فضلا عن التنبؤ بتوجهاتها وتبعاتها بعيدة المدى.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية